أمثلة حية للاستقامة (7-11)               

أما الصورة المنشودة لأهل الاستقامة في واقعنا:

1 ــــ صورة طالب العلم:

قد ذكرنا فيما مضى من الصحابة ابن عباس ب، ومن الأئمة الإمام الشافعي :، ومن المتأخرين سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز : كان هؤلاء من الطلاب المثاليين، ومن ثَمَّ من العلماء العاملين، إذا قرأ الطالب سيرة أيٍ من هؤلاء يرى فيه مثالاً حيًّا للطالب المجتهد، ونستخلص من خلالها الصورة المنشودة التي يريدها الإسلام في طالب العلم هي:

      إخلاص النية لله سبحانه، بأن ينوي في طلبه للعلم التعبد لله سبحانه، ورفع الجهالة عن نفسه ثم عن الآخرين، وإنقاذ الأمة من الضلال، وإرشادها إلى ساحل النجاة.

      ملازمة خشية الله تعالى ومراقبته، بحيث تقود خشية الله إلى العمل بما يعلم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(1).

قال الشافعي ::

شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نور *** ونور الله لا يهدى لعاص

               

      الربط الوثيق بين التعبد لله تعالى وبين طلب العلم، فلا يكن طلب العلم وظيفة تؤدى، أو هواية تمارس، بل هو عبادة من أفضل العبادات الموصلة إلى رضوان الله تعالى والجنة، فبهذا يؤدي العلم ثمرته على الطالب نفسه وعلى الآخرين.

      الصبر والمثابرة في سبيل طلب العلم، وإن أردت التفصيل فاقرأ أسفار العلماء ورحلاتهم، فهم يسافرون أياماً لسماع حديث واحد، وبعضهم لا يجد قوت يومه ولكنه ملازم في طلب العلم، وبعضهم يبيع كل ما عنده ليشتري بعض الكتب، ومنهم من كان يعمل بالليل ليحضر دروس المشايخ بالنهار.

      التواضع وخفض الجناح، لينظر الناظر إلى ابن عباس ب وهو يأخذ بركاب ناقة زيد بن ثابت ا، ويقول: «هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا».

      اغتنام الشاب أيام شبابه، ولنقرأ قول الحسن :: «يا ابن آدم! إنما أنت مجموعة أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك»، وقد قيل: «أعط العلم كلك يعطِك بعضه، وأعطه بعضك لا يعطك شيئاً».

      التخلق بأخلاق الإسلام والتحلي بفضائله قولاً وعملاً، ظاهر اً وباطناً.

      السير في طلب العلم على منهجية واضحة صحيحة(1). فلم يبلغوا ما بلغوا إلا لأنهم ساروا في طلبهم على منهج واضح وصلوا من خلاله إلى أعالي الدرجات.

      العمل الصادق بالعلم، فهو ثمرة العلم، والنتيجة من التعلم، فيكون هذا الطالب قدوة للآخرين في علمه.

      نشر العلم، فهو زكاته وسبيل إنمائه، وهو الحسنة الجارية للعالم والمتعلم.

هذه صورة طالب العلم الملتزم المستقيم الذي يرى ثمرة علمه حيًّا على الأرض.

2 ـــ أما صورة الشاب الجاد العامل:

صورة الشاب المستقيم المنشودة التي يريدها الإسلام كما يلي:

      أن يعمل بجميع أركان الإسلام، ومن أهمها: المحافظة على الصلوات الخمس جماعة في المسجد، فيكون من السابقين للمسجد.

      أن يؤمن بجميع أركان الإيمان.

      أن يقوم بجميع الواجبات مع تخصيص شيء من المستحبات.

      أن ينصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

      أن يقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب قدراته واستطاعته.

      أن يقول الصدق ويقبل الصدق، ويبتعد عن الكذب.

      أن يشعر بالمسؤولية تجاه هذا الدين، فيقوم بالدعوة إليه وتبليغه.

      أن يكون ذا خلق ودين، ليِّن الجانب، طيب القلب، غير حسود ولا حقود، ولا غماز ولا لماز.

      أن يكون متزناً منظماً لأموره، محافظاً على وقته، لا يضيع فرصة من حياته إلا شغلها بما يفيده ويفيد الأمة في الدنيا والآخرة.

      أن يكون عالي الهمة في جميع أموره، ولا يرضى بالدون أبداً.

      أن يطبق تعاليم الإسلام في ظاهره وباطنه.

      أن ينظف باطنه من الحسد والحقد والبغضاء ومن جميع أمراض القلوب.

3 ـــ صورة الفتاة المسلمة:

ويُقال في صورة الفتاة المسلمة المنشودة ما قلناه في الشاب المسلم، ونضيف عليه:

أن تتعرف على مسؤولياتها وواجباتها في هذه الحياة، فتبصر طريقها بوضوح، ومن ذلك:

      أن تلتزم بحجابها الكامل الذي فرضه الله عليها.

      أن تتعلم ما يوجب عليها الإسلام من الأمور فتعمل بها، وما ينهى عنه فتنتهي.

      ألا تخرج من بيتها إلا لحاجة.

      أن تجتنب تقليد الكافرات والفاسقات في الزينة واللباس والطعام والشراب.

      أن تحذر دعاة الرذيلة فما أكثرهم هذا الزمان.

      ألا تكون اجتماعاتها مع الأخريات للغيبة والنميمة، إنما تكون لنشر الفضيلة، والدعوة إلى محاسن الأعمال والأخلاق.

      أن تتعلم ما يخص المرأة من أمور البيت وشؤونه وتساعد أمها في الأعمال المنزلية.

      أن تقوم بمسؤولياتها عن نفسها وبيتها ومجتمعها(2)

4 ـــ صورة الزوجة:

إضافة إلى ما قلنا من توجيهات عامة للشباب المسلم والفتاة المسلمة نضيف عليها على الأخص:

      أن تتحمل مسؤوليتها تجاه بيتها وزوجها وتربية أولادها؛ بأن تقوم بالأعمال المنزلية، وتساعد زوجها في أمور الخير إذا كان من أهل الاستقامة، أو تنصحه برفق إذا رأت فيه نوعاً من التقصير، وتربي أولادها تربية إسلامية في العبادات والعادات والأخلاق.

      أن يكون الزوج محل احترامها وتقديرها، فتطيع أوامره في غير معصية، ولا ترفع صوتها في وجهه، ولا تجحد جميله؛ فإن ذلك كفران العشير.

      أن تحذر الإسراف في الكماليات من الملابس والهدايا والطعام والشراب وغيرها.

      أن تنشئ في بيتها مكتبة تحتوي على كتب إسلامية تتحدث عن العبادات والعقيدة والمعاملات والأخلاق والسيرة والمعاشرة الزوجية ومعلومات عامة، وكتب تخص الصغار من قصص الصالحين، وحكايات ذات هدف معين، وكذا تشتمل المكتبة على بعض الأشرطة المفيدة مثل المصحف المرتل، ودروس المشايخ والمحاضرات، وللصغار أشرطة الأناشيد الخالية من المحظورات والقصص بالأسلوب الجميل الجذاب.

      ألا تسمح أبداً لدخول المجلات الساقطة، والأشرطة السينمائية أو الغنائية، أو أيٍ من أجهزة الفساد في بيتها.

      أن تشغل وقت الفراغ بما يفيدها وأولادها في دنياها أو آخرتها، مثل: حفظ القرآن الكريم، والتزود بالثقافة الذاتية، والقيام بالدعوة إلى الله، والاهتمام بتربية الأولاد، أو القيام بترتيب أمور البيت، والتنظيف الداخلي للبيت، والخياطة، وكي الملابس.

تلكم صور منشودة ذكرتها لتكون منارة يستفيد منها هؤلاء، ودليلاً إلى غيرهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [فاطر:28]

(2) ينظر في ذلك ما سطرته في رسالة: «القواعد المنهجية لطلب العلم».

(3) ينظر: «المرأة ومسؤوليتها في الواقع المعاصر- دراسة تأصيلية شرعاً وواقعاً» للمؤلف.



بحث عن بحث