أمثلة حية للاستقامة (2-11)

ج- الاستقامة بالصبر في الدعوة إلى الله: من السنن الإلهية: أن كل من قام بالدعوة إلى الله يبتلى بأنواع من المصائب، فما عليه إلا أن يصبر، ويتحمل الأذى، ويستمر في تبليغ رسالة الله إلى عباده، والرسل عليهم الصلاة والسلام أشد الناس بلاء، ثم الأمثل فالأمثل، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قد صبر في سبيل الدعوة إلى الله على جميع أنواع الأذى، حيث كذبه قومه واتهموه بعدد من التهم، فقالوا: ساحر كذاب، شاعر مجنون، كاهن يتقول. وطرحوا عليه عند سجوده سلا الجزور، وفي الطائف رجمه أوباش القوم حتى أدموه؛ فما انتقم منهم ولا دعا عليهم، وحاول مشركو مكة قتله مراراً حتى أخرجوه من مكة، وفي المدينة قد أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل اليهود والمنافقين، حيث اتهموا زوجته أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق  فبرأها الله مما قالوا، واليهود كانوا يقولون: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ(1)، والسام عليكم، أي: الموت، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يرد عليهم إلا بالحسنى، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(2) ، تقول عائشة : «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يُجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله ﻷ»(3). ولما فتحت مكة انتظر المشركون ماذا سيفعل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاجأهم بقوله: «أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم». فهذا الالتزام بالصبر على الدعوة إلى الله من أهم أسباب النجاح في هذا المجال.

د- الاستقامة بحسن الأخلاق والمعاملة والسلوك، وقد امتدح الله ﻷ رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ذو خلق عظيم، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) ، وقال سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ(5) ، وروى أحمد في المسند عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق(6)

وهذا الأمر ليس فيه أدنى شك عن المسلمين، بل وعند أعداء الإسلام أن الرسول غ كان على أعلى قدر من الخلق الحسن، والسلوك الطيب، منذ طفولته، ووقت شبابه قبل النبوة، وبعدها إلى أن توفاه الله عز وجل، حتى إن أهل مكة كانوا يودعون عنده ودائع لأمانته وصدقه، وسمّوه أميناً صادقاً، ولما اختلفوا في من يضع الحجر الأسود عند بناء الكعبة، حتى تواعدوا بالقتال، رضوا بحكم أول داخل من باب بني شيبة، فكان ذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا بلسان واحد: هذا الأمين! رضينا بحكمه. كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين، جواداً كريماً، وهو كما وصفته خديجة : «يصل الرحم، ويحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق»، وهو كما قال الشاعر:

بلغ العلى بكماله *** كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله *** صلوا عليه وآله

       

ودعاة الإسلام اليوم إذا التزموا بحسن الخلق، وطيب المعاملة، لا ريب أنهم سلكوا منهاجه غ فكان نجاحاً لدعوتهم.

وخلاصة الأمر: أنه القدوة عليه الصلاة والسلام في الأمور كلها. فلنعِ ذلك، ونقرأ سيرته، ونقتفي أثره، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [النساء:46]

(2) [فصلت:34]

(3) رواه البخاري في المناقب، باب صفة النبي غ (3560)، ومسلم في الفضائل، باب مباعدته للآثام (2328).

(4) [القلم:4]

(5) [آل عمران:159]

(6) رواه أحمد في (باقي مسند المكثرين) (8729).



بحث عن بحث