مجالات الاستقامة الرئيسة (2-7)

      ثانياً: الاستقامة في العبادة:

العبادة هي الوظيفة الأساس التي خلق الله تعالى العباد من أجلها، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(1).

والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فمفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع، يشمل أمور الحياة كلها من قول أو فعل في الظاهر أو الباطن، فإن كان هذا القول أو الفعل مما يحبه الله ويرضاه فهو عبادة، وإن كان مما يبغضه الله ويكرهه فتركه عبادة.

وقد دل على هذا المفهوم قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(2).

وبناءً على ذلك: فحياة المسلم كلها عبادة لله تعالى، سواء كانت من فعل المأمورات، أو ترك المنهيات، أو من الأعمال المباحة إذا سخرت لطاعة الله تعالى.

ولأجل أن تكون هذه العبادة صحيحة مقبولة فلا بد أن يقوم العبد بعوامل القبول، وهي:

1-أن تكون هذه العبادة خالصة لله تعالى، لا يقصد من ورائها الرياء أو السمعة أو المنافع الدنيوية العاجلة، يقول تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}(3)، وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}(4).

ومقتضى هذا الإخلاص: أن يصرف العبد جميع أنواع العبادة لله سبحانه، فكل قربة يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه لا يجوز له أن يصرفها إلى غيره، فالصلاة والدعاة والاستغاثة والنذر والذبح والزكاة والصيام والبر والإحسان وغيرها.. كل ذلك يجب أن يكون لله وحده لا إلى أحد سواه(5).

2-أن يكون العمل حسناً، ولا يكون كذلك إلا إذا كان على هدي محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(6)، فإذا خالف العمل هدي محمد صلى الله عليه وسلم -أيًّا كانت صورته- فلا يكون مقبولاً، قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(7) أي: مردود.

وبناءً على ذلك: يتعين على العبد المسلم أن يقوم بعباداته كلها القولية والعملية من صلاة وزكاة وصيام وحج وبِر وصدقة وإحسان... لله تعالى، على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيصلي لله تعالى وفق ما وردت السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطيع امتثالاً لأمر الله تعالى حسبما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتصدق ويعين المحتاج ابتغاء وجه الله، وعلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(8) .

ومن هنا يتبين لنا أن من مجالات الاستقامة: الاستقامة على عبادة الله تعالى، فلا يكون المسلم من أهل الاستقامة وهو مخلّ بصلاته أو صيامه، أو مظهره أو مخبره، أو مقترفاً لمحظور أو محرم، أو متساهلاً في فعل المأمور، هذه هي الاستقامة الحقيقية في عبادة الله تعالى، ونعود لنذكر بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(9).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الذاريات:56]

(2) [الأنعام:162-163]

(3) [الزمر:2]

(4) [البينة:5]

(5) يُشكل على بعض الناس ارتياحه لثناء الناس عليه، هل ذلك يؤثر على إخلاصه أم لا؟ والجواب عن ذلك: أن المسلم إذا عمل عملاً خالصًا لله سبحانه، ولم يقصد من ورائه إلا ابتغاء وجه الله ورضاه، ولكن الناس أحبوه وأثنوا عليه بدون تعرض منه، فهذا لا غبار عليه، ولا يؤثر في إخلاصه؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله غ: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن».

(6) [الحشر:7]

(7) رواه مسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (1718).

(8) [الكهف:110]

(9) [الأنعام:162-163]



بحث عن بحث