الوقفة الثالثة (4-4)

وهكذا يكون المسلم مستقيماً على مبادئ دينه في كل حال، في العقيدة والأعمال والأخلاق، ولا يكون كالآخر، قال الله تعالى فيهم: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ . وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}(1).

قال ابن سعدي : في تفسير هاتين الآيتين: {وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} ، أي إلى حكم الشرع {مُذْعِنِينَ} وليس ذلك لأجل أنه حكم شرعي، وإنما ذلك لأجل موافقة أهوائهم، فليسوا ممدوحين في هذه الحال، ولو أتوا إليه مذعنين؛ لأن العبد حقيقة من يتبع الحق فيما يحب ويكره، وفيما يسره ويحزنه، وأما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه، وينبذه عند مخالفته، ويقدم الهوى على الشرع؛ فليس بعبد على الحقيقة«.

يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى اله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشَط والمَكرَه، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم«(2).

فالسمع والطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم واجبة في كل حال، ولا تكون الطاعة مرتبطة بالمنافع الدنيوية.

وفي حديث آخر قد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يتقلب حاله حسب مصالحه الدنيوية؛ إن أعطي رضي وإلا سخط، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَعِسَ عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة؛ إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش«(3).

والتقلب حسب المصالح الدنيوية وعدم الالتزام بحال واحدة من صفات المنافقين، قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}(4).

وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(5). قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه: «كان أحدهم إذا قدم المدينة وهي أرض وبيئة، فإن صح بها جسمه، ونتجت فرسه مهراً حسناً، وولدت امرأته غلاماً رضي به واطمأن إليه وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً، {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} والفتنة البلاء، أي: وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وتأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرًّا، وذلك الفتنة»(6).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [النور:48-49]

(2) رواه البخاري في الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس (7199).

(3) رواه البخاري في الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله (2887).

(4) [التوبة:58]

(5) [الحج:11]

(6) (تفسير ابن كثير)، سورة الحج، آية: (11).



بحث عن بحث