الوقفة الأولى (2-2)

      وهكذا كان حال التابعين في حرصهم على العلم النافع، عن الحكم بن الأعرج قال: «انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنه وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً. قلت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم«(1).

      وفي حديث جبريل تعليم للأمة كيف يسألون علماءهم عن أمور الشريعة، فقد جاء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان وأمارات الساعة. فالصحابة كانوا يسألون النبي غ عن كل صغيرة وكبيرة مما ينفعهم ديناً ودنياً.. عن الوضوء، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والإيمان، والإسلام، والإحسان، وحقوق الله، وحقوق الآدميين، وأفضل الأسئلة ما كان عن العقيدة، وأركان الإسلام، والإيمان، وما يتعلق بالعمل، ولا ينبغي السؤال عن مسائل افتراضية، أو ما لا يتعلق بالعمل، وكذا ما يقصد فيه الإحراج، أو المسائل النادرة، أو ليظهر تعالمه، أو كان لغير حاجة، أو يتعدى ضرره، مثل: ما يتعلق بالتشديد في الدين، فعن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه«(2).

فعلى المسلم أن يسأل عما أشكل عليه، وما يترتب عليه فلاحه في الدنيا والآخرة، والسؤال يكون لأهل العلم المعتبرين الذين شهدت لهم الأمة في ذلك، فلا يُسأل غير المختص، أو الجاهل، ولا حديث السن وقليل العلم والتجربة؛ فمن سأل هؤلاء وأمثالهم فقد ضل وحاد عن الجادة، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(3).

ففي هذا الحديث إرشاد ضمني لطلاب العلم ولطالباته للحرص عليه، والسؤال عما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأن يستغلوا الفرص العظيمة، والمنح الجليلة، بما هيّأ الله تعالى في هذه الأزمان من الوسائل الكثيرة السهلة لنيل العلم، فتلك الوسائل لم تحصل لمن قبلنا، وسنلام على عدم استغلالها، فأين الموفقون للعمل بذلك؟ فالمسارعة المسارعة قبل أن يبحث عنها الطالب فلا يجدها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه مسلم في الصيام، باب أي يوم يصام في عاشوراء (1133).

(2) رواه مسلم في الحج، باب فرض الحج مرة في العمر (1137).

(3) [النحل:43]



بحث عن بحث