المبحث الثالث : (السبع الأرضين هي في أرضنا هذه) (1-2)

 

 

  حديث: «من أخذ شبراً من الأرض ظلماً، طوقه إلى سبع أرضين»(*).

   هذا الحديث رواه عدد من الصحابة، منهم : سعيد بن زيد، وعائشة، وابن عمر، وأبو هريرة، وأبو مالك الأشعري، وسعد بن أبي وقاص، وشداد ابن أوس، والحكم بن الحارث، وابن عباس، والمسور بن مخرمة، وأبو شريح الخزاعي.

1 – فأما حديث سعيد بن زيد، فله عنه طرق:

الأولى : عروة، عنه، أخرجه البخاري(1)، ومسلم(2)، ومعمر(3)، وابن أبي شيبة(4)، وأحمد(5)، وأبو يعلى(6)، والطبري(7)، والطبراني(8)، وأبو نعيم(9)، كلهم من طرق عن هشام بن عروة، عن عروة، به، واللفظ لمسلم في موضع(10).

الثانية : عبدالرحمن بن عمرو بن سهل، عنه، أخرجه البخاري(11)، والترمذي(12)، وأحمد(13)، وعبد بن حميد(14)، والدارمي(15)، وأبو يعلى(16)، والطبري(17)، وابن حبان(18)،

والطبراني(19)، والخطيب(20)، كلهم من طرق عن الزهري، عن طلحة بن عبدالله بن عوف، عن عبدالرحمن بن عمرو، عنه، به.

الثالثة : عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عنه، أخرجه مسلم(12) ، وأبو يعلى(22)، والطبري(22)، والطبراني(24)، والبغوي(25)، كلهم من طرق عن العلاء ابن عبدالرحمن، عن عباس بن سهل، به.

الرابعة : محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر، عنه، أخرجه مسلم(26)، وأبو يعلى(27)، والطبري(28)، كلهم من طرق عن عبدالله بن وهب، عن عمر بن محمد بن زيد، عن أبيه محمد، به، في سياق قصة مخاصمة أروى بنت أويس لسعيد بن زيد.

الخامسة : أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عنه، أخرجه الطيالسي(29)، وأحمد(30)، وأبو يعلى(31)،والطبري(32)، والحاكم(33)، كلهم من طرق عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبدالرحمن، عن أبي سلمة، به، في ذكر قصة أروى، وفيه زيادة.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة". ووافقه الذهبي.

السادسة : طلحة بن عبدالله، عنه، أخرجه الحميدي(34)، وأحمد(35)، وأبو يعلى(36)، والطبري(37)، والحاكم(38)، والخطيب(39)، والبغوي(40)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن طلحة بن عبدالله، به.

وأخرجه أحمد(41)، وأبو يعلى(42)، وابن خزيمة(43)، من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري، عن طلحة قال: أتتني أروى بنت أويس، في نفر من قريش فيهم عبدالرحمن بن عمرو بن سهل...، فقالت: «.... طوقه إلى السابعة»، وهذه الزيادة ليست في رواية سفيان. وابن إسحاق صرح بالتحديث عند أبي يعلى.

 

تنبيه:

قال ابن حبان: "روى هذا الخبر أصحاب الزهري الثقات المتقنون، فاتفقوا كلهم على روايتهم هذا الخبر عن الزهري، عن طلحة بن عبدالله بن عوف، عن سعيد بن زيد، خلا معمر؛ فإنه أدخل بين طلحة بن عبدالله، وبين سعيد بن زيد، عبدالرحمن بن سهل، وأخاف أن يكون ذلك وهماً، وقد قال معمر في هذا الخبر: بلغني عن الزهري؛ فيشبه أن يكون سمعه من بعض أصحابه، عن الزهري، فالقلب إلى رواية أولئك أميل"(44). اهـ.

وهذا الكلام فيه نظر لما يلي:

أولاً : لم يتفق أصحاب الزهري – الثقات المتقنون – كلهم على رواية هذا الخبر عن الزهري، عن طلحة، عن سعيد بن زيد، بل لم يروه على هذا الوجه سوى سفيان ومحمد بن إسحاق، وقد رواه شعيب بن أبي حمزة، ومالك، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وابن ثوبان عبدالرحمن ابن ثابت، وعبيد الله بن عمر، ومعمر، كلهم عن الزهري، عن طلحة، عن عبدالرحمن، عن سعيد بن زيد، وهؤلاء فيهم ثقات متقنون كما ترى.

يضاف إلى هذا : ترك إخراج الشيخين لرواية سفيان وابن إسحاق، وقول الدار قطني عقب سرد طرق الحديث: "وأحبها إلي من قال عن الزهري، عن طلحة، عن عبدالرحمن، عن سعيد"(45). اهـ.

ثانياً : أن ابن حبان اختصر كلام معمر، ومعمر قال: "بلغني عن الزهري ولم أسمع منه، زاد في هذا الحديث: «من قتل دون ماله فهو شهيد»" ذكره الترمذي(46)، وابن حبان نفسه(47)، فيتضح أن مراد معمر هذه الزيادة، لا أصل الحديث، وكلام معمر عند ابن حبان يبين مراده بأوضح مما عند الترمذي، فعنده أن معمر قال: "وبلغني عن الزهري في هذا الحديث قال: قال رسول الله: «من قُتل دون ماله فهو شهيد»".

قال الحافظ : "ويمكن الجمع بين الروايتين، بأن يكون طلحة سمع هذا الحديث من سعيد بن زيد، وثبته فيه عبدالرحمن بن عمرو بن سهل، فلذلك كان ربما أدخله في السند وربما حذفه"(48). اهـ.

ومن هنا يتبين أن معمراً لم يَهِم في هذا، والله أعلم.

السابعة : أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عنه، أخرجه البخاري – في التاريخ الصغير –(49)والطبري(50)، وأبو نعيم(51)، والزبير بن بكار(52)، من طرق، عنه، به، في قصة أروى بنت أويس.

الثامنة : عبدالله بن عمر بن الخطاب، عنه، أخرجه أبو يعلى(53)، والطبري(54)، وأبو نعيم(55)، من طريق عبدالله – المكبر – بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، به، في قصة أروى.

وعبدالله بن عمر العمري (ضعيف) كما هو معروف، وأخوه عبيد الله – المصغر – (ثقة).

التاسعة : أبو الطفيل عامر بن واثلة، عنه، أخرجه الطبراني(56)، من طريق محمد بن مسروق الكندي، عن الوليد بن عبدالله بن جُمَيْع، عن أبي الطفيل، به.

قال الطبراني: "لم يروه عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، إلا الوليد بن عبدالله، تفرد به محمد بن مسروق". اهـ.

ومحمد بن مسروق، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً(57)، وذكره ابن حبان في ثقاته وقال: "وقيل: محمد بن مسرور، يخطئ"(58). وشيخه الوليد (صدوق يهم) (59).

العاشرة : أبو غَطَفَان المُرِّي، عنه، أخرجه أبو نعيم(60).

وفي إسناده ابن لهيعة (صدوق، خلط بعد إحراق كتبه) (61)، وروايته هنا عن غير العبادلة.

وشيخ أبي نعيم أبو عمرو بن عثمان، لم أقف على ترجمته.

2 – وأما حديث عائشة، فأخرجه البخاري(62)، ومسلم(63)، وأحمد(64)، والطبري(65)، والطبراني(66)، كلهم من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، أنه كانت بينه وبين أناس خصومة، فذكر لعائشة، فقالت: يا أبا سلمة، اجتنب الأرض؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض، طوقه من سبع أرضين».

3 – وأما حديث ابن عمر، فأخرجه البخاري – وانفرد به عن الكتب الستة –(67) وأحمد(68)، وأبو عوانة(69)، وأبو نعيم(70)، والبغوي(71)، كلهم من طرق عن عبدالله بن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين».

4 – وأما حديث أبي هريرة، فله عنه ثلاثة طرق :

الأولى : أبو صالح، عنه، أخرجه مسلم – وانفرد به عن الكتب الستة –(72) ومعمر بن راشد(73)،والطيالسي(74)، وأحمد(75)، والطبري(76)، وابن حبان(77)، كلهم من طرق عن سهيل بن أبي صالح – وهو في نسخته(78) – عن أبيه، به، ولفظه: «من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه، طوقه من سبع أرضين»، ولفظ مسلم «لا يأخذ أحد شبراً من الأرض بغير حقه، إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة»، ولعل مسلماً رواه بالمعنى، والله أعلم.

الثانية : عجلان المدني، عنه، أخرجه أحمد(79)، والطبري(80)، وابن حبان(81)، والخطيبر(82)، كلهم من طرق عن محمد بن عجلان، عن أبيه، به، ولفظ أحمد: «طوقه يوم القيامة إلى سبع أرضين»، ولفظ الباقين: «من سبع أرضين».

ومحمد بن عجلان قال فيه الحافظ: (صدوق، إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة) (83).

لكن ليست كل أحاديث أبي هريرة؛ قال يحيى القطان، عن ابن عجلان: "كان سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة، وعن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة، فاختلطت عليه، فجعلها كلها عن أبي هريرة"(84).

ولما ذكر ابن حبان في كتاب الثقات هذه القصة قال: "ليس هذا بوهن يوهن الإنسان به، لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة"(85).

الثالثة : أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عنه، أخرجه أحمد(86)، من طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، به.

ورجاله ثقات سوى عمر بن أبي سلمة، فهو (صدوق يخطئ) (87).

   ويأتي في الحلقة القادمة بقية أحاديث هذا المبحث وما استدل بها عليه والتعليق على ذلك بمشيئة الله تعالى.  


(*)العلم الحديث حجة للإنسان أم عليه (1/46).

(1)  صحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في سبع أرضين (6/293ح3198)، سقطت لفظة (عن) بين (هشام عن أبيه) و (سعيد بن زيد) مطبعياً.

(2)   صحيح مسلم – كتاب المساقاة – باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها – (3/1231ح1610/139، 140).

(3) الجامع (11/10ح19755)، سقط عروة من الإسناد.

(4)مصنف ابن أبي شيبة (6/565ح2056).

(5) المسند (1/188).

(6) مسند أبي يعلى (2/250، 255ح952، 962).

(7) تهذيب الآثار (1/143ح289).

(8) المعجم الكبير (1/149ح342).

(9) الحلية (1/96)، من طريق الطبراني، وفي (1/181) من طريق ابن أبي شيبة، وفي (8/385) من       

     طريق أحمد بن حنبل.

(10) في (ح1610ح139)، وأما في (ح1610/140) فبلفظ: «من سبع أرضين» كغيره ممن

      أخرجه، سوى أحمد وأبي يعلى في (ح962)، والطبراني، وأبي نعيم (2/181) و(8/385)    

      فعندهم كلفظ مسلم الأول.

(11) صحيح البخاري – كتاب المظالم – باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض – (5/103ح2452).

(12) سنن الترمذي – كتاب الديات – باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد – (4/20، 21ح   1418).

(13) المسند (1/188، 189).

(14) المنتخب من مسند عبد بن حميد (1/155ح105).

(15) سنن الدارمي (2/267).

(16) مسند أبي يعلى (2/252ح956).

(17) تهذيب الآثار (1/144، 145ح 294، 296).

(18) الإحسان (5/79ح3185) و (7/303ح5141).

(19) المعجم الأوسط (3/126ح2263)، وفي مسند الشاميين (1/83ح111).

(20) تاريخ بغداد (14/24).

(21) صحيح مسلم – كتاب المساقاة – باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها – (3/1230ح 1610).

(22) مسند أبي يعلى (2/253ح959).

(23) تهذيب الآثار (1/145، 146ح 298، 299).

(24) المعجم الكبير (1/153ح355).

(25) شرح السنة (8/228، 229ح 2165).

(26) صحيح مسلم (3/1230ح 1610/138).

(27)مسند أبي يعلى (2/249، 250ح 951).

(28) تهذيب الآثار (1/146ح301).

(19) مسند الطياليسي (32ح237).

(30) المسند (1/188، 190).

(31) مسند أبي يعلى (2/251ح955).

(32) تهذيب الآثار (1/143 – 145ح 290، 291، 293، 297).

(33) المستدرك (4/295، 296).

(34)مسند الحميدي (1/44، 45ح83).

(35) المسند (1/187).

(36) مسند أبي يعلى (2/248، 249، 250، 251ح949، 953).

(37) تهذيب الآثار (1/144ح295).

(38) معرفة علوم الحديث ص (176).

(39) تاريخ بغداد (10/81).

(40) شرح السنة (10/248، 249ح2564).

(41) المسند (1/189).

(42) مسند أبي يعلى (2/249ح 950).

(43) في صحيحه كما في فتح الباري (5/104)، ولم أجده في الجزء المطبوع فلعله في المفقود.

(44) الإحسان (5/79).

(45) العلل للدار قطني (4/427).

(46) سنن الترمذي (4/21).

(47) الإحسان (5/79).

(48) الفتح (5/104).

(49) التاريخ الصغير (1/138).

(50) تهذيب الآثار (1/144ح293).

(51) الحلية (1/96، 97).

(52) كتاب (النسب) كما في الفتح (5/104).

(53) مسند أبي يعلى (2/251ح 954).

(54) تهذيب الآثار (1/146ح 300، 302).

(55) الحلية (1/96).

(56) المعجم الصغير (1/120ح 267).

(57) الجرح والتعديل (8/104).

(58)الثقات (9/77).

(59) تقريب التهذيب ص (582).

(60) الحلية (1/97).

(61) تقريب التهذيب ص (319).

(62) صحيح البخاري – كتاب المظالم – باب من ظلم شيئاً من الأرض (5/103ح2453)،  وكتاب – بدء الخلق – باب ما جاء في سبع أرضين (6/292ح3195).

(63) صحيح مسلم – كتاب المساقاة – باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (3/1231، 1323ح        1612).

(64) المسند (6/64، 79، 252، 259).

(65) تهذيب الآثار (1/149ح 313).

(66) المعجم الأوسط (3/237ح 2505).

(67) صحيح البخاري (5/103ح2454) و (6/292، 293ح 3196).

(68)المسند (2/99).

(69) في صحيحه كما في الفتح (5/105).

(70) الحلية (8/172).

(71) شرح السنة (8/229ح 2166).

(72) صحيح مسلم (3/1231ح 1611).

(73) الجامع (11/10ح19754).

(74) مسند الطيالسي (317ح2410).

(75) المسند (2/388).

(76) تهذيب الآثار (1/146ح303).

(77) الإحسان (7/302ح5139).

(78) نسخة سهيل بن أبي صالح (ح40) ضمن كتاب دراسات في الحديث النبوي (2/499).

(79)المسند (2/432).

(80) تهذيب الآثار (1/147ح 304، 305).

(81) الإحسان (7/302، 303ح 5140).

(82) تاريخ بغداد (1/271، 321، 322).

(83) تقريب التهذيب ص (496).

(84) الثقات (7/387).

(85) تهذيب التهذيب (9/304).

(86) المسند (2/387).

(87) تقريب التهذيب ص (413).

 



بحث عن بحث