المبحث السابع: مسائل في الدعوة والتوجيه

المسألة الثانية: توصية الداعية إذا ندب للدعوة:

استنبط بعض أهل العلم: أنه ينبغي للإمام أو من ينوب عنه إذا ندب شخصاً للدعوة إلى الله أو ما شابهها أن يوصيه بما يحتاج إليه، أخذاً من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل في هذا الحديث، حيث أعطاه عدة وصايا ينبغي له أن يهتم بها، وأن يعمل بها.

يقول النووي: «وفيه بيان تحريم الظلم، وأن الإمام ينبغي أن يعظ ولاته، ويأمرهم بتقوى الله تعالى ويبالغ في نهيهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته«.

ويقول الحافظ ابن حجر: «وفي هذا الحديث أيضاً الدعوة إلى التوحيد قبل القتال، وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها«.

ويقول الشوكاني: «وفيه أيضاً دليل على بعث السعاة، وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام«.

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «وفي الحديث -أيضاً- قبول خبر الواحد العدل، ووجوب العمل به، وأن الإمام يبعث العمال لجباية الزكاة، وأنه يعظ عماله وولاته، ويأمرهم بتقوى الله، ويعلمهم ما يحتاجون إليه، وينهاهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته، والتنبيه على التعليم بالتدريج«(1).

أقول: ولا شك أن للوصية أثرًا على حياة الداعي أو المعلم أو القاضي أو من يسند إليه أي مهمة من المهام، فهذه الوصية تكون منارًا لهذا المرسل، يهتدي بها عندما يعترضه كثير من المشكلات، ألا ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي معاذًا هنا بالتدرج في الدعوة لأجل أن تقبل؟! وأنه نبهه صلى الله عليه وسلم بأن القوم أهل كتاب، يحتاجون إلى استعداد علمي قوي لأجل أن تنفع معهم المجادلة؟

وهكذا فالوصية لها فوائد كثيرة للداعي وللمدعو، وكانت هذه سمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعثه الدعاة، أو إرساله السرايا للقتال، أو للقيام بمهمة عظيمة.

فمن هنا ينبغي لمن يكلف أحدًا بأمر الدعوة أو القضاء أو التعليم ونحو ذلك أن يوصيه بما يؤدي إلى نجاح مهمته، حتى تؤدي هذه المهمة ثمارها المرجوة.

وأمر الوصية بعامة اعتنى بها الفقه الإسلامي حتى على المستوى الفردي عند السفر أو الموت ونحو ذلك، فليرجع إليها في مظانها، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تيسير العزيز الحميد (130).



بحث عن بحث