المبحث السادسالمسائل الفقهية

المسألة الثامنة: حكم إعطاء الزكاة صنفًا واحدًا من الأصناف الثمانية:

استنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث: أنه يجوز إعطاء الزكاة صنفًا واحدًا من الأصناف الثمانية، وذلك أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم: «فترد على فقرائهم»، فذكر الفقراء وهم صنف واحد من الأصناف الثمانية، ولم يذكر بقية الأصناف، مما يدل على جواز هذا الأمر.

يقول الحافظ ابن حجر : «قوله: «على فقرائهم» استدل به لقول مالك وغيره أنه يكفي في إخراج الزكاة في صنف واحد، وفيه بحث كما قال ابن دقيق العيد؛ لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك، وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء»(1).

وقد قال العلامة ابن دقيق العيد: «وقد يستدل به من يرى إخراج الزكاة إلى صنف واحد؛ لأنه لم يذكر في الحديث إلا الفقراء، وفيه بحث»(2).

وقال العيني: «قال صاحب المفهم: فيه دليل لمالك رضي الله عنه على أن الزكاة لا تجب قسمتها على الأصناف الثمانية المذكورين في الآية، وأنه يجوز للإمام أن يصرفها إلا صنف واحد من الأصناف المذكورة في الآية، إذا رآه نظرًا أو مصلحة دينية»(3).

ومن هذا العرض لأقوال هؤلاء الأئمة يتبين أن في المسألة خلافًا بين العلماء، أذكره ملخصًا على النحو الآتي:

القول الأول: يجوز صرفها إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية، كما يجوز تفريقها بينهم أو بين بعضهم، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء من المالكية والأحناف والحنابلة، وقد استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة، منها:

أ- حديث ابن عباس هذا، وسبق وجه الدلالة منه.

ب- قوله تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}(4)ووجه الدلالة من الآية: أن الله- سبحانه وتعالى- لم يذكر في الآية من أهل الزكاة إلا الفقراء، مما يدل على أنه يجوز أن تصرف فيهم وحدهم، والصدقة إذا أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض.

القول الثاني: يلزم أن توزع على الأصناف الثمانية، أو على الموجود منهم إن لم يوجدوا جميعًا، ولا يجوز ترك صنف منهم مع وجوده، فإن ترك ضمن نصيبه، وهو ما ذهب إليه الشافعية، ورواية عن أحمد، واستدلوا بقوله تعالى حين ذكر الأصناف الذين يستحقون أن تدفع لهم الصدقة، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}(5) ووجه الدلالة من الآية: أن اللام في قوله: {لِلْفُقَرَاءِ} وهو للتمليك، بمعنى أن تصرف إلى مستحق حتى يصح منه الملك على وجه التشريع، فكان ذلك بيانًا للمستحقين.

لكن أجاب الجمهور عن هذا الدليل، بأن اللام هنا للأجل وليست للتمليك، كمن يقول: هذا الباب للدار، أي: لأجل الدار، فالصدقة هنا للفقراء، أي: لأجل الفقراء(6). والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفتح (3/ 360).

(2) إحكام الأحكام (2/ 3).

(3) عمدة القاري (8/ 238).

(4) [البقرة: 271]

(5) [التوبة: 60]

(6) ينظر للتفصيل في هذه المسألة غير ما ذكر: المغني (4/ 127)، والمجموع (6/ 130)، والروض المربع (3/ 324)، والمبسوط (3/ 9)، وبداية المجتهد (1/275).



بحث عن بحث