المبحث الرابع: المسائل العقدية

ج- فضلهما:

للشهادتين فضل عظيم وأجر جزيل، فبهما يدخل العبد الجنة، وينجو من النار، يدل على ذلك نصوص كثيرة، منها:

- ما رواه مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، حرم الله عليه النار«(1)

- وما أخرجه الشيخان من حديث عبادة السابق، وفيه: «أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية«(2).

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة«(3).

- ولا إله إلا الله أعلى شُعَب الإيمان وأفضلها، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»(4). وأهل لا إله إلا الله هم الذين يسعدون بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه«(5)(6).

      المسألة الثانية: الحكم بإسلام الكافر وعدمه:

استنبط بعض العلماء من هذا الحديث: أن الكافر لا يحكم له بالإسلام حتى ينطق بالشهادتين.

والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث بعد ذكر الشهادتين: «فإذا جئتهم فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة«.

قال الإمام النووي: «وفيه أنه لا يحكم بإسلامه-أي: الكافر- إلا بالنطق بالشهادتين«(7).

ويقول العيني: «وفيه: أنه لا يحكم بإسلام الكافر إلا بالنطق بالشهادتين، وهذا مذهب أهل السنة؛ لأن ذلك أصل الدين الذي لا يصح شيء من فروعه إلا به«(8).

وقد فصل الإمام النووي : في موضع آخر ما سابق إجماله بقوله: «واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين: على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلاً، إلا إذا عجز عن النطق لخلل في لسانه، أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنية، أو لغير ذلك؛ فإنه يكون مؤمنًا«(9).

فيفهم من كلامه : أنه لا يكفي النطق بالشهادتين، بل لا بد من الاعتقاد الجازم بدين الإسلام.

وهذا ما قرره علماء المسلمين، ولكنه إجمال، تفصيله أن يقال: إن الذي ذكره الحافظ النووي : هو حكمه في الآخرة، أما في أحكام الدنيا؛ فإنه يكفي النطق بالشهادتين، إلا إذا أتى بما يناقضها من الأعمال والأقوال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:«وقد علم بالاضطرار من دين الرسول غ، واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلمًا، والعدو وليًّا، والمباح دمه وماله، معصوم الدم والمال، ثم إن كان ذلك من قلبه فقد دخل في الإيمان، وإن قاله بلسانه دون قلبه فهو في ظاهر الإسلام دون باطن الإيمان، قال: وأما إذا لم يتكلم بها مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين باطنًا وظاهرًا عند سلف الأمة وأئمتها، وجماهير العلماء«(10).

وجاء في الأسئلة والأجوبة الأصولية: «هل يكتفى بالنطق بالشهادة، أم لا بد من العلم بمعناها والعمل بمقتضاها؟ فأجاب: لا تعتبر إلا لمن تكلم بها، عارفًا لمعناها، عاملاً بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا، فلا بد للشهادتين من العلم بمدلولهما، والعمل بذلك. قال تعالى: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(11)، وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}(12) (13)

فعلم من هذا كله أنه لا بد مع النطق بالشهادتين لمعرفة معناهما، والعمل بما دلَّت عليه، والله أعلم«.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، في (57/1، 58)، برقم: (29).

(2) سبق تخريجه.

(3) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، في (1/ 55، 56)، برقم: (27).

(4) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان (1/ 51)، برقم: (9)، وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها (1/ 63)، برقم: (35).

(5) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب العلم، باب الحرص على الحديث (1/ 193)، برقم: (99).

(6) ينظر في ما سبق ذكره من هذه المسألة: فتح الباري (114/1- 124)، وشرح النووي على مسلم (1/196)، (1/ 0 20)، (2/3، 4)، وتيسير العزيز الحميد (ص: 72) فما بعد، وفتح المجيد (ص: 34) فما بعد، ومعارج القبول (ص: 370) فما بعد، وكتاب معنى لا إله إلا الله، للزركشي، وكتاب شهادة أن لا إله إلا إله وأن محمدًا رسول الله، وغيرها.

(7) ينظر: شرح النووي على مسلم (1/197).

(8) ينظر: عمدة القاري (8/236).

(9) ينظر: شرح النووي على مسلم (1/149).

(10) نقلاً عن كتاب فتح المجيد (ص: 84).

(11) [الزخرف: 86]

(12) [محمد: 19]

(13) الأسئلة والأجوبة الأصولية (14، 15). وينظر في هذه المسألة: شرح النووي على مسلم (1/149، 1/197)، وعمدة القاري (8/ 236)، وتيسير العزيز الحميد (126، 127)، وفتح المجيد (84).



بحث عن بحث