المبحث الرابع: المسائل العقدية

      المسألة الأولى: أهمية الشهادتين وعظم شأنهما:

مما يدل عليه الحديث أهمية الشهادتين -شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله- ويؤخذ هذا من أمر الرسول لمعاذ وهو يوصيه بأن يكونا أول ما يدعو إليه... «فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله«.

يقول العلامة ابن دقيق العيد :: «والبداءة في المطالبة بالشهادتين؛ لأن ذلك أصل الدين الذي لا يصح شيء من فروعه إلا به«(1).

ويقول الحافظ ابن حجر :: «ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما«(2).

ولهذا سأعرض الكلام بالشهادتين في ضوء العناصر الآتية:

أ- معناهما.

ب- أهميتهما.

ج- فضلهما.

ولا شك أن الكلام في الشهادتين يحتاج إلى صفحات كثيرة، بل إلى كتب، ولكن نكتفي بما ذكرنا بما يتناسب مع مقام شرح الحديث، مع الإشارة إلى بعض المراجع المهمة لمن أراد الاستزادة والتفصيل.

أ- معناهما:

      معنى شهادة أن لا إله إلا الله:

قال صاحب تيسير العزيز الحميد: «أي: لا معبود بحق إلا الله واحد، وهو وحده لا شريك له، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(3)مع قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(4)، فصحَّ أن معنى الإله هو المعبود، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: «قولوا: لا إله إلا الله»، قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(5)، وقال قوم هود: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}(6)، وهو إنما دعاهم إلى «لا إله إلا الله»، فهذا معنى لا إله إلا الله، وهو عبادة الله وترك عبادة ما سواه، وهو كفر بالطاغوت وإيمان بالله.

فتضمنت هذه الكلمة العظيمة: أن ما سوى الله ليس بإله، وأن إلهية ما سواه أبطل الباطل، وإثباتها أظلم الظلم، فلا يستحق العبادة سواه، كما لا تصح الإلهية لغيره، فتضمنت نفي الإلهية عما سواه، وإثباتها له وحده لا شريك له، وذلك يستلزم الأمر باتخاذه إلهًا واحده، والنهي عن اتخاذ غيره معه إلهًا، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات»(7).

ففهم من هذا أن «لا إله» نفي لجميع عبادة كل إله، و«إلا الله» إثبات لعبادة الله وحده لا شريك له.

أما معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، فهو التسليم والانقياد بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول من عند ربه، يبلغ رسالات ربه.

(فهي تتضمن تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما نهى وزجر، فلا يكون كامل الشهادة له بالرسالة من ترك أمره، وأطاع غيره، وارتكب نهيه)(8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ينظر: إحكام الأحكام (2/ 2).

(2) ينظر: فتح الباري (3/ 358).

(3) تيسير العزيز الحميد (73).

(4) [الأنبياء: 25]

(5) [النحل: 36]

(6) [ص: 5]

(7) [الأعراف: 70]

(8) المصدر السابق (82).



بحث عن بحث