الوقفة الثانية عشرة: ابتداء دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم

هذه وقفة أخيرة نقف فيها مع ابتداء دعوته صلوات الله وسلامه عليه بعد ما نزل عليه الوحي بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنذِرْ . وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ  . وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ  . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ . وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ . وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ }(1).

هذه الآيات في أولها الأمر بالقيام بالإنذار، وختامها الأمر بالصبر، فكأنها إشارة إلى أن هذه المسيرة محفوة بالابتلاءات وهي تستدعي تطهير الظاهر والباطن {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ  . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ }كما أن في هذه الآيات: أن الله أكبر من كل شيء؛ فكبّره ولا تخف أحدا إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يصيبك بشيء إلا بإذن الله، فاستمر في أداء وظيفتك من الإنذار والبلاغ، ولا تقف لأن فلانا يستهزئ بك، أو فلان يسخر بك، أو ابتليت في هذا الطريق، واستعن في ذلك بشعورك القوي بأن الله هو أكبر من كل شيء، وبنظافة سريرتك، ونظافة الظاهر، ونبذ المعبودات كلها إلا معبودًا بالحق، فهذه الآيات فيها بيان صريح للمهمة التي من أجلها بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يستفيد منها المسلمون عمومًا، والدعاة إلى الله والقائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصوصًا فوائد عدة، منها:

أ- على الدعاة إلى الله ﻷ الإنذار والبلاغ فحسب بكل إخلاص، وليس عليهم أن ينتظروا حصول النتائج والثمرات، ما على الرسول إلا البلاغ، وما علينا إلا البلاغ المبين، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}(2) وقد نبّه الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بتنبيه لطيف فقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}(3)، أي: لا تأسف عليهم، أبلغهم رسالة ربك؛ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.

ب – ألا يخاف الداعية أحدًا إلا الله سبحانه، وإذا كان لا يخاف أحدًا إلا الله سبحانه وتعالى ويؤمن إيمانًا قويًّا بأن الله أكبر من كل شيء، فلا يتردد في تبليغ رسالة الله إلى عباد الله جميعًا دون إفراط أو تفريط، وينفذ أوامر الله بدون خوف من أحد، ويعلن بإيمانه القوي بربه، ويقول بأعلى صوته: إنني من المسلمين، وقد أثنى سبحانه على من كان كذلك فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(4) وهذا الأمر لا يتأتى إلا بإيمان قوي بأن الله أكبر من كل شيء، ويكبره ويمجده عملا بقوله تعالى: َ{مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ}.

ج- لا بد للدعاة أن يكونوا نظيفين نظافة ظاهرة وباطنة، بعيدين عن جميع أمراض القلوب من الحسد والغش والكذب والخيانة وغيبة الناس، فنظافة الظاهر والباطن كلها ضرورية ليتزود الداعية في مسيرته إلى أن يصل إلى هدفه وغايته في إرضاء الله تعالى.

د – مسيرة هذه الدعوة المباركة محاطة بالابتلاءات؛ فلا بد للداعي من الصبر، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}(5) فالداعية يبتدئ في أمر الدعوة جادًا نشيطًا ثم يأخذه الفتور فيقعد عن هذا الطريق وينتهي الأمر، فهذا الطريق شاق وصعب إلا من وفقه الله فاستعان بالصبر والصلاة؛ فالله مع الصابرين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [المدثر:1-7]

(2) [الغاشية:21 – 22]

(3) [الكهف:6]

(4) [فصلت:33]

(5) [الانشقاق:6]



بحث عن بحث