الوقفة السابعة: الخلق الحسن في الداعية 

وفيما يلي بعض النماذج من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الأخلاق الطيبة التي قد أثرت في النفوس أثرًا بالغًا، منها:

      عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِن الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي- مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»(1).

      عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فَصَلَّى -قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: رَكْعَتَيْنِ- ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ قَالَ: ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ»(2).

      عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلمفَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يَخَافُ الْفَاقَةَ. وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجِيءُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُرِيدُ إِلًا الدُّنْيَا، فَمَا يُمْسِي حَتَّى يَكُونَ دِينُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ أَوْ أَعَزَّ عَلَيْهِ مِن الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا»(3).

      عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: «أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ ثَلاثًا. وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ»(4). قال ابن حجر: «فمنّ عليه لشدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام، ولم يؤاخذه بما صنع وعفا عنه».

والنماذج كثيرة لا يمكن إحاطتها بمثل هذه الوقفة، وإنما هي إشارات إلى أهمية جانب الأخلاق في حياة الدعاة، بل عليهم أن يعضوا عليها بالنواجذ، وبذا سوف ينجحون في دعوة الناس إلى الله وإلى تعاليم الإسلام. فالداعية لا يمكن أن يكون ناجحًا وفي قلبه حسد، أو كبر، أو غرور بالنفس، أو إعجاب بنفسه، أو احتقار للآخرين؛ فأهم الأمور في حياة الداعية هو الخلق الحسن والسلوك الطيب، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(5).

وهنا في هذا الحديث ذكرت خديجة رضي الله عنها جانبًا من أخلاقه عليه الصلاة والسلام حتى قبل البعثة، هذه الأخلاق التي تؤهل الإنسان إلى أعالي الأمور، وقمم المعالي، فليعِ كل مسلم فضلًا عن كل داعية هذه الصفات ليقتدوا بها، ولعل من أهمها:

o      نفع الآخرين بأي وسيلة عملية أو بدنية أو مالية أو خلقية.

o      الصبر على هذه الأخلاق والأعمال، وتحمل أذى الآخرين وحسدهم وحقدهم.

o      إخلاصها لله سبحانه وتعالى.

o      التواضع وخفض الجناح.

وغيرها مما لا يخفى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته (537).

(2) رواه أبو داود في الطهارة، باب الأرض يصيبها البول (380).

(3) رواه أحمد في باقي مسند المكثرين (13615).

(4) رواه البخاري في الجهاد والسير، باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة (2910،2913،4135).

(5) آل عمران:159



بحث عن بحث