الوقفة السابعة: الخلق الحسن في الداعية

الأخلاق الطيبة والسلوك الحسن لها أثر طيب في نفوس المدعوين، والخلق الحسن أثقل شيء في الميزان، «ولم يعط أحد خيرًا من خلق حسن»، والخلق الحسن مطلوب من المرء المسلم في كل حين، وخاصة عندما يدعو إلى الخير، فالناس أول ما يتأثرون بالرجل بسلوكه وخلقه وتعامله وليس بقوله وكلامه، ولذا لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي، فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِن السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَكَلامه مَا هُوَ بِالشِّعْرِ.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح في الصلاة: «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهديني لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت». وكان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء». وكان يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق». والرجل إنما يدعو الله شيئًا يحبه ويحرص عليه، وفي مسند أحمد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق». وفي حديث طويل رواه أحمد في مسنده قد ذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنواعًا من الأخلاق الطيبة المطلوب من المسلم أن يطبقها في حياته، ومنها أخلاق سيئة المطلوب من المسلم أن يتجنبها ويتعوذ منها. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الْعَصْرِ ذَاتَ يَوْمٍ بِنَهَارٍ، ثُمَّ قَامَ يَخْطُبُنَا إِلَى أَنْ غَابَت الشَّمْسُ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاّ حَدَّثَنَاهُ. حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَ وَنَسِيَ ذَلِكَ مَنْ نَسِيَ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، أَلا إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ يُنْصَبُ عِنْدَ اسْتِهِ يُجْزَى بِهِ، وَلا غَادِرَ أَعْظَمُ مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ»، ثُمَّ ذَكَرَ الأَخْلاقَ فَقَالَ: «يَكُونُ الرَّجُلُ سَرِيعَ الْغَضَبِ قَرِيبَ الْفَيْئَةِ فَهَذِهِ بِهَذِهِ، وَيَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْئَةِ فَهَذِهِ بِهَذِهِ، فَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْئَةِ، وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ بَطِيءُ الْفَيْئَةِ، قَالَ: وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ تَتَوَقَّدُ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ، وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَجْلِسْ، أَوْ قَالَ: فَلْيَلْصَقْ بِالأَرْضِ». قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ الْمُطَالَبَةَ فَقَالَ: «يَكُونُ الرَّجُلُ حَسَنَ الطَّلَبِ سَيِّئَ الْقَضَاءِ فَهَذِهِ بِهَذِهِ، وَيَكُونُ حَسَنَ الْقَضَاءِ سَيِّئَ الطَّلَبِ فَهَذِهِ بِهَذِهِ، فَخَيْرُهُمْ الْحَسَنُ الطَّلَبِ الْحَسَنُ الْقَضَاءِ، وَشَرُّهُمْ السَّيِّئُ الطَّلَبِ السَّيِّئُ الْقَضَاءِ». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ النَّاسَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ، فَيُولَدُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيَعِيشُ مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ كَافِرًا وَيَعِيشُ كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيَعِيشُ مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ كَافِرًا وَيَعِيشُ كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا». ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «وَمَا شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ كَلِمَةِ عَدْلٍ تُقَالُ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ؛ فَلا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ اتِّقَاءُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ. ثُمَّ بَكَى أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ مَنَعَنَا ذَلِكَ. قَالَ: وَإِنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ دَنَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، فَقَالَ: وَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ«(1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه الترمذي في الفتن، باب ما جاء ما أخبر النبي غ أصحابه (2191) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ، وأحمد في باقي مسند المكثرين (11193).



بحث عن بحث