الوقفة السادسة: موقف المرأة الصالحة مع زوجها الداعية

وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامتها، فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها به بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له -فيما يزعمون-: يا ابن عم إني قد رغبت فيك؛ لقرابتك وسطتك في قومك، وأمانتك وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها. وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبًا، وأعظمهن شرفًا، وأكثرهن مالًا، كل قومها كان حريصًا على ذلك منها لو يقدر عليه(1).

فخديجة رضي الله عنها قدوة لجميع المسلمات في اختيار زوج صالح صاحب خلق ودين وأمانة كما جاء في الحديث؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ«(2).

والمرأة التي لا تستخدم عقلها في اختيار زوج صالح، وإنما تنظر إلى بهرج الدنيا وزينتها، سوف تندم على فعلها ولا بد، وتندم على سوء اختيارها؛ فالاختيار يكون على أساس الدين والتقوى، والأمانة والخلق، {وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(3) ، فالزوج ضيق المعيشة ولكنْه مسلمٌ حقًّا لا يترك الصلاة وسلوكه طيب خير ألف مرة من الغني صاحب الأموال الطائلة ولكن لا صلة له بالدين ولا بالأمانة؛ فهذا يمكن للمرأة لو تزوجها أن تستفيد من أمواله بأن تلبس أفخر الثياب، وتستعمل أغلى الحلي، وتسكن في الفلل الفاخرة بل في القصور، ولكنها خسرت الدين وخسرت الآخرة، وهو الخسران المبين.

ومن جهة أخرى قد فاز وأفلح كل من الزوجين اللذين يتعاونان على البر والتقوى، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِن اللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ؛ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِن اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى؛ فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ«(4).

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: «إِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ كُتِبَا مِن الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ«(5).

3-أن خديجة رضي الله عنها كانت من السابقين الأولين، قال الزهري وقتادة وموسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي وسعيد بن يحيى: «أول من آمن بالله ورسوله خديجة، وأبو بكر، وعلي، رضوان الله عليهم»(6). وهذا الأمر يتطلب من المرأة المسلمة أن تكون سباقة إلى الخير، لا سباقة إلى الشر، وإن المرأة إذا صلحت صلحت الأسرة كلها، وإذا فسدت فسدت الأسرة كلها، وإذا قلنا لبعض الناس: لماذا أدخلت هذا الجهاز المفسد في تربية أبنائك يقول: أم الأولاد ألحت عليّ فاشتريته، فلتتق الله المرأة المسلمة في تصرفاتها، ولتعلم أنها إذا سنت سنة حسنة فلها أجرها وأجر من عمل بها، وإذا سنت سنة سيئة فعليها وزرها ووزر من عمل بها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سيرة ابن هشام (1/235،236).

(2) رواه الترمذي في النكاح، باب ما جاء في من ترضون دينه فزوجوه (1084،1085) وابن ماجه في النكاح، باب الأكفاء (1967).

(3) [البقرة:221]

(4) رواه أبو داود في التطوع، باب قيام الليل (1308) والنسائي في قيام الليل، باب الترغيب في قيام الليل (1611) وابن ماجه في إقامة الصلوات (1336).

(5) رواه أبو داود في التطوع، باب قيام الليل (1309) وابن ماجه في إقامة الصلوات، باب ما جاء في من أيقظ أهله من الليل (1335).

(6) رواه الترمذي في النكاح، باب ما جاء في من ترضون دينه فزوجوه (1084،1085) وابن ماجه في النكاح، باب الأكفاء (1967).



بحث عن بحث