الوقفة السادسة: موقف المرأة الصالحة مع زوجها الداعية

ومن الجزاء الحسن الذي لاقته خديجة رضي الله عنها، غير ما ذكر من حسن العهد، والثناء عليها من قبل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا: أنها قد بُشِّرت بالجنة، وسلّم عليها الرب ذو الجلال والإكرام، وجبريل عليه السلام، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ« (1).

ويمكن أن نستنبط من خلال مواقف خديجة رضي الله عنها مع الرسول صلى الله عليه وسلم الخصال الحميدة التالية الذكر التي يجب أن تتخلق بها كل امرأة مسلمة:

1-النصح الخالص لزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واضح في كثير من المواقف، من إعداد الزاد بيديها عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخلو بغار حراء، وتسليته عندما خشي على نفسه، وذلك بذكر ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعمال الجليلة من صلة الرحم، وكسب المعدوم، وقرى الضيف، ومعاونة المحتاج، وكذلك ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لمزيد من الاطمئنان.

2-أن تكون المرأة المسلمة عاقلة حصيفة، وأن تستخدم عقلها في خدمة الإسلام وخدمة الزوج والأولاد، وهذا الأمر يظهر بوضوح في كثير من تصرفاتها، وأولها وأهمها في اختيار شريك حياتها، فلم تهتم بالمال أو الجمال أو الرتبة، وإنما لاحظت في من يكون زوجها هل هو أمين؟ هل هو صاحب خلق ودين؟ يقول ابن إسحاق: «كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها؛ من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها اسمه ميسرة؛ فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب من الرهبان، فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، قال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلًا إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة –فيما يزعمون– إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبًا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه«.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج النبي غ خديجة وفضلها ل (3820).



بحث عن بحث