الوقفة الخامسة: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾

- والعالم والمتعلم يفترقان عن غيرهما فرقًا شاسعًا في الدنيا والآخرة، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}(1).

- والعالم والمتعلم أعرف الناس بالله، وأتقاهم وأخشاهم له؛ إذ أنهم عرفوا الله فعبدوه حق عبادته، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }(2).

- وطالب العلم مأجور طوال حياته؛ إذ أنه ساعٍ في سبيل الله، قال عليه الصلاة والسلام: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع«(3)

- والعلم حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ودليل الحائرين، وهو الميزان الذي توزن به الأقوال والأفعال والأحوال، وهو الهادي إلى الهدى والرشد، والمنقذ من الضلال والهلاك، وهو الصاحب في الغربة، والكاشف عن الشبهة، مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم من الحاجة إلى الطعام والشراب.

- ما هو هذا العلم الذي هذه أهميته وتلك فضائله؟

- هذا العلم هو العلم الشرعي: العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، العلم بتوحيده ومعرفة أحكام حلاله وحرامه.

- هذا العلم منه ما هو فرض عين يجب أن يعرفه كل واحد من المسلمين، وهو المعلوم من الدين بالضرورة، كأركان الإسلام، من توحيد الله تعالى، ومعرفة أحكام الصلاة، وكذا إذا كان تاجرًا وبائعًا ومشتريًا يجب عليه معرفة أحكام البيع والشراء وما يتعلق بهما... وهكذا.

ومنه ما هو فرض كفاية في الأمة، ومندوب للأفراد، وهو الذي ذكر فضله في صدر هذه الكلمات، وهو ما يتعلق به حاجة الأمة من بيان تفصيل أحكام الاعتقاد، وأحكام الحلال والحرام، وتفاصيل ما يتعلق بالآيات والأحاديث، وما يعضد ذلك من اللغة العربية وأحكامها.

إذًا: ديننا الإسلامي دين علم ومعرفة، فالذي يريد أن يتعمق في هذا الدين، ويريد أن يكون مرشدًا للناس وواعظًا لهم، لا بد أن يسبق ذلك العلم المبني على كتاب الله عز وجل وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا العلم هو الذي يقرب إلى الله عز وجل، ويبعد عن الشيطان وكيده، فالعلم ضروري جدًّا لإبلاغ هذا الدين؛ فمن أراد أن يكون داعية إلى الله عز وجل؛ فلا بد أن يحصن نفسه بالعلم الشرعي المبني على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى فهم أئمة هذا الدين، وفقهاء هذه الأمة.

والدعوات الإصلاحية لا يمكن أن تسير سيرًا حثيثًا ولا أن تقوم بدعوتها، ولا أن تتبصر طريقها بدون هذا العلم، والدعاة لا يمكن أن يلتزموا المنهاج الصحيح، والطريق القويم إلا بالعلم، وأي دعوة لا تقوم على ذلك فيحكم عليها بالفشل والضلال، والتفرق. ولا أدل على ذلك من تصدير الوحي، وتصدير دعوة أفضل الأنبياء والمرسلين بهذه الكلمات الآمرة بالعلم؛ فلتكن هذه الوقفة منطلقًا لتأمل الدعاة والدعوات، لتعيد النظر في مناهجها، وتصحح مسارها، وتبني مواقفها على هذا العلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  [الزمر:9]

(2) [فاطر:28]

(3)  أخرجه الترمذي في العلم، برقم (2647) باب فضل طلب العلم، وقال: هذا حديث حسن غريب.



بحث عن بحث