المقدمة

الحمد لله الذي منّ على هذه الأمة بنعمة الإيمان، وأكمل عليهم دين الإسلام، وبعث إليهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ورضي لهم الإسلام دينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه العزيز: {قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}(1)، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله القائل: «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقحمْنَ فِيهَا، قَالَ: فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ؛ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَن النَّارِ، هَلُمَّ عَن النَّارِ.. هَلُمَّ عَن النَّارِ، فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا»(2)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإن أحلى ما يتمتع بقراءته القارئ من الكتب بعد كتاب الله ﻷ وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، هو سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكل ما يتعلق بحياته من مولده ونشأته وأسفاره وزواجه، وتشرفه بالنبوة، ودعوته الناس إلى كلمة التوحيد، وتحمل الأذى في ذلك، وهجرته وغزواته ووفاته، وما حدث بعد وفاته.. بل دراسة تاريخ العالم قبيل بعثته صلى الله عليه وسلم لهي من الأهمية بمكان؛ لذا قد اهتم المؤرخون وكُتّاب السير بهذا الجانب، وردوا مزاعم المفترين على رسالته صلى الله عليه وسلم.

وإن من الأهداف لدراسة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم: التوجه للعمل التطبيقي لهذا الدين، فهو رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وهو المثل الأعلى في جميع شئون الحياة، ومن حياته نستنبط العبر والدروس، فهو الشاب المثالي المستقيم في حياته وحتى قبل نبوته، ولذا قال: {قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، وهو الداعية الحكيم في أسلوب دعوته، وهو الزوج الأمثل في أسرته، وهو الرئيس العادل في دولته، وهو القائد الماهر في معاركه، وهو السياسي الصادق الذي يدير شئون دولته، وهو المسلم الجامع لهذه الأمور وغيرها.

فهو الصورة العملية المتكاملة لهذا الدين، ومما تفيدنا أيضًا دراسة السيرة النبوية: فهم كتاب الله ﻷ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي بين الكتاب العظيم، وهو الذي فسّر مجمله، وبيّن ما يحتاج إلى بيان، يقول تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(3)  [النحل:44].

وفي حديثنا هذا -حديث بدء الوحي- ندرس مرحلة من مراحل حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونستنبط منها الدروس والعبر، ونطبقها في حياتنا.

أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الكلمات، وأن يجعلها من المدخرات في الحياة وبعد الممات، حقق الله الآمال، وسدد الخطى، وعلمنا ما ينفعنا، ونفعنا بما علمنا، إنه عليم حكيم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                                                                                                    

                                                                                                   

وكتبه

فالح بن محمد بن فالح الصغير

الـمشرف العام على موقع شبكة السنة وعلومها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [يونس:16]

(2) رواه البخاري في الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي (6483) ومسلم واللفظ له في الفضائل، باب شفقته غ على أمته (2284).

              



بحث عن بحث