الوقفة السابعة: (لَوْ) تفتح عمل الشيطان

وسعى الشيطان مرة أن يقطع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فأمكنه الله منه، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى صلاة قال: «إن الشيطان عرض لي فشد عليَّ ليقطع الصلاة عليَّ؛ فأمكنني الله منه فذعَتُه(1)، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه، فذكرت قول سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(2)  فرده الله خاسيًا«(3).

وورد عن بعض الصحابة أن الشيطان يبعد عنهم ويهابهم، وذلك لقوة إيمانهم، وجعلهم الشيطان عدوًا حقيقيًّا لهم فلا يقربهم، ومنهم عمررضي الله عنه، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده! ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا إلا سَلَكَ فجًّا غير فجّك«(4).

ومنهم عمار بن ياسر رضي الله عنه، عن علقمة قال: قدمت الشام فقلت: من هاهنا؟ قالوا: أبو الدرداء. قال: أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه غ... وقال: الذي أجاره الله على لسان نبيه غ يعني عمارًا(5).

فعلى المسلم أن يقوي إيمانه بالطاعات، والبُعد عن المحرمات والمعاصي، وما يقرب إليها من قول وعمل، ويسأل الله عز وجل دائمًا العفو والعافية من شر الشيطان وشركه ووساوسه، وفيما يلي بعض ما يبعد الشيطان عن العبد فيعمله، وبعض ما يوقع العبد في كيد الشيطان فيجتنبه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عِدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك«(5).

وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال في دبر صلاة الفجر وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات. كُتِبَت له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه، وحُرِسَ من الشيطان، ولم يَنْبغِ لذنبٍ أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله«(6).

وعن أنس بن سيرين قال: سمعت جُنْدَبًا القَسْرِيَّ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنَكم الله من ذمَّته بشيء، فإنه مَن يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكُبَّه على وجهه في نار جهنم»(7). ومن كان في ذمة الله يرجى له أن يكون في أمان من الشيطان ووساوسه المضلة.

وعن عبد الله رضي الله عنه قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقيل: ما زال نائمًا حتى أصبح ما قام إلى الصلاة، فقال: «بال الشيطان في أذنه«(8).

وذكر ابن حجر في معنى قوله: بال الشيطان في أذنه، فقال: قيل: هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر. وقيل: معناه أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل فحجب سمعه عن الذكر. وقيل: هو كناية عن ازدراء الشيطان به. وقيل: معناه أن الشيطان استولى عليه واستخفَّ به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول؛ إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه.

قال أبوهريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأمين، فإذا سكت المؤذن أقبل، فإذا ثوب أدبر، فإذا سكت أقبل، فلا يزال بالمرء يقول له: اذكر ما لم يكن يذكر حتى لا يدري كم صلى». قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «إذا فعل أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو قاعد»، وسمعه أبو سلمة من أبي هريرة رضي الله عنه(9).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدًا لم يضره الشيطان«(10).

وعن سليمان بن صرد قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحدهما احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد»، فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعوَّذ بالله من الشيطان»، فقال: وهل بي جنون(11).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فذعَتُه: بذال معجمة وتخفيف العين المهملة، أي: خنقته.

(2) [ص:35]

(3) رواه البخاري في العمل في الصلاة، باب ما يجوز من العلم في الصلاة، رقم: (1210)، ومسلم في المساجد، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه، وجواز العمل القليل في الصلاة، رقم: (541).

(4) رواه البخاري في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم: (2394)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر ا، رقم: (2396).

(5) رواه البخاري في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم:(3287) .

(6) رواه البخاري في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم: (3293)، ومسلم في الذكر والدعاء، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، رقم: (2691).

(7) رواه الترمذي في الدعوات، باب في ثواب كلمة التوحيد التي فيها (إلهًا واحدًا أحدًا صمدًا)، رقم: (3474)، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

(8) رواه مسلم في المساجد، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، رقم: (657).

(9) رواه البخاري في التهجد، باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه، رقم: (1144) ومسلم في صلاة المسافرين، باب الحث على صلاة الليل وإن قلَّت، رقم: (775).

(10) رواه البخاري في العمل في الصلاة، باب الخصر في الصلاة، رقم: (1222)، ومسلم في الصلاة، باب فضل الأذان وهروب الشيطان عند سماعه، رقم: (389).

(11) رواه البخاري في الوضوء، باب التسمية على كل حال وعند الوداع، رقم: (141)، ومسلم في النكاح، باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع، رقم: (1434).



بحث عن بحث