الوقفة السادسة: الإيمان بالقدر

10-الإيمان بالقضاء والقدر يبعث في القلوب الشجاعة على مواجهة الشدائد والصِعاب، فلا يضجر من نائبة نزلت، أو مصيبة حلَّت؛ لإيمانه الجازم أن كل شيء بيد الله ومن عند الله.

الوسائل المعينة على الإيمان بما قضاه الله وقدره :

1-معرفة طبيعة هذه الحياة الدنيا، فهي ليست دار مقر، وإنما هي دار ممر، يتعبد فيها الإنسان ليجزيه الله جزاءً حسنًا في دار الآخرة، فإذا عرف العبد أن الله قد قضى على هذه الحياة أنها فانية، والحياة الأخرى هي الباقية فيهتم بالحياة الأخروية، ويعمل لها، ويقدم ما بوسعه من حسنات.

2-معرفة الإنسان نفسه، بأن يعرف بأنه ملك لله عز وجل، وهو الذي خلقه من عدم، ومنحه الحياة والحركة، ووهبه العقل والجوارح. فإذا عرف الإنسان ذلك زاد إيمانه بقضاء الله و قدره.

3-اليقين بحسن الجزاء، فالعبد إذا أيقن بحسن الجزاء لقويِّ الإيمان؛ فلا بد أن يقوى إيمانه بالله وبقضائه وقدره.

4-الإيمان بقرب الفرج، من سنة الله تعالى في هذه الحياة: أن الأيام فيها تتداول بين الناس، اليوم عليك وغدًا لك، كما أنه بعد كل ليل مظلم صباحًا مشرقًا، كذا بعد كل عسر يسرًا، وبعد كل ضيق مخرجًا، وبعد كل همّ فرجًا، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(1)، ولن يغلب عسر يسرين، كما قاله المفسرون، وهذا اليقين هو الذي زاد في قوة إيمان يعقوب عليه السلام عندما قال: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(2)، وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرْجَ مَعَ الْكُرْبَةِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا«(3).

فهذا اليقين يزيد في العبد قوة الإيمان بالقضاء والقدر.

5-الاشتغال بما ينفعه في حاضره ومستقبله، وهو الذي وصَّى به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «احرص على ما ينفعك، ولا تعجز»، فالعبد إذا ما اشتغل بما ينفعه سواء في الحاضر أو المستقبل، وسواء كان النفع يعود إلى نفسه أو إلى غيره -كما هو مفهوم من عدم ذكر المفعول في قوله صلى الله عليه وسلم: «على ما ينفع»- فاشتغال العبد بما ينفع، واستمراره في ذلك بدون كسل وخور، يزيد في قوة إيمانه بالقضاء والقدر، حيث يتوكل على الله، كل التوكل مع العمل والكد.

6-الإكثار من ذكر الله تعالى، والالتجاء إليه والتضرع في الدعاء، كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «وَأسْألكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضا»(4). وكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَمنْ شَرِّ مَا لم أعْمَلْ»(5). وكان صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ: «سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الأعْدَاءِ، وَمِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ»(6). فالذي يلتزم الأدعية والأذكار المخصوصة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفشل في أي من أعماله بإذن الله إلا ابتلاء من الله، له لتكفير السيئات، أو رفع الدرجات.

هذه بعض الوسائل التي تُعِين العبد على زيادة الإيمان، وقوة ثقته بالله، وبقضائه وقدره، فعلى المسلم أن يلتزم هذه الأمور والوسائل لكي لا يقع في الأسف المتزايد، ولا يكون فريسة الأوهام والمصائب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الشرح:5-6]

(2)  [يوسف: 83]

(3) رواه أحمد في مسند بني هاشم، رقم: (2800).

(4) رواه النسائي في السهو، باب نوع آخر من الدعاء، رقم: (1306)، وأحمد في مسند الأنصار، رقم: (21158).

(5) رواه مسلم في الذكر والدعاء، باب التعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء وغيره، رقم: (2716).

(6) رواه مسلم في الذكر والدعاء، باب التعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء وغيره، رقم: (2707).



بحث عن بحث