من آثار التوكل

التوكل على الله يكسب صاحبه قوة وشجاعة، فالمتوكل على الله يقدم ولا يحجم، يكر ولا يفر، يمضي ولا يقف، فهذا رسول الله إبراهيم عليه السلام يستمر في دعوة قومه إلى التوحيد والإنكار على إشراكهم بالله،{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(1)، ففي أصعب الأحوال لم يتزعزع توكله على الله، حتى إنهم ألقوه في النار وجعلها الله بردًا وسلامًا على إبراهيم، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يثبت في غزوة حنين بعد أن انهزم المسلمون بسبب بعض حديثي الإسلام، فعن أبي إسحاق: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه: أفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفِرَّ، إنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً وإنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغنائِمِ وَاسْتَقْبَلُونَا بِالسّهَامِ، فَأما رَسُولُ الله عليه فَلَمْ يَفِرَّ؛ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بلِجَامِهَا، وَالنَّبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَنَا النّبَيُّ لا كَذِبْ.. أنَا ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ«(2).

التوكل على الله طريق السعادة، فأسعد الناس المتوكلون على الله، فالسعادة ليست بالأموال الطائلة، ولا بالجاه العظيم، ولا بامتلاك البيوت الواسعة، والمحلات التجارية ذات الفوائد الكبيرة. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يملك من الدنيا إلا قليلًا، وكان ينام على حصر، ويتمنى أن يجوع يومًا فيصبر ويشبع يومًا فيشكر، وكان أسعد السعداء على الإطلاق، ومن أسباب سعادته عليه الصلاة والسلام: أنه كان يتوكل على ربه حق التوكل.

التوكل على الله ينتج الرزق الواسع، قال تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(3).

التوكل على الله يكسب الثقة والطمأنينة، والراحة القلبية، والثقة بموعود الله، قال تعالى:{فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(4).

في التوكل على الله قطع لدابر وساوس الشيطان الذي يخوف الناس من المستقبل، ويرجف في طلب المعاش خشية الفقر، ويعلق بالأوهام حال المرض، قال تعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(5).

وقبل أن أختم ما يتعلق بهذا المَعْلَم الذي هو التوكل على الله أشير إلى بعض المظاهر الخاطئة عند الناس في هذا الباب، ومنها:

- الخوف من المستقبل.

- الشعور الدائم بالقلق من أمور الدنيا.

- الخوف على المال والولد.

- الحرص والطمع.

- طلب الرزق من الطرق غير المشروعة.

- النفاق مع الآخرين لطلب ما عندهم من دون الله.

- التعلق بالناس -كالطبيب في حال المرض- تعلقًا ينسيه الالتجاء إلى الله ودعاءه وطلب الشفاء من عنده.

- الاستدواء بالأدوية المحرمة، كالخمر وغيرها.

- التعلُّق بالسحرة والكُهَّان والمشعوذين.

هذه المظاهر وما شابهها كلها تنافي التوكل على الله، والاعتماد عليه، فالإيمان القوي يقتضي أن يبتعد عن كل شائبة تمس توكله على الله سبحانه وتعالى.

وهمسه أخيرة لأولئك الذين سخروا جهودهم لخدمة دينهم وأمَّتهم، بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتربية والتعليم؛ ليعملوا بهذين المَعْلَمَين: الحرص على ما ينفع، والتوكل على الله تعالى. ومن ثَمَّ فليبشروا بالنتائج العظيمة لدعوتهم نتيجة حرصهم، مع الحذر من الملل والكسل والفتور واليأس؛ فإن ذلك من وساوس الشيطان، وتسويل النفس الأمَّارة بالسوء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [العنكبوت:24]

(2) رواه البخاري في الجهاد والسير، باب من قاد دابة غيره في الحرب، رقم: (2864)، ومسلم في الجهاد، في غزوة حنين، رقم:(1776).

(3) [الطلاق:2-3]

(4) [آل عمران:174-175]

(5) [البقرة:268]



بحث عن بحث