الوقفة الرابعة: احرص على ما ينفعك

ج- ويظهر أيضًا في نهيه غ عن مد يد السؤال أمام الناس أعطوه أو منعوه، ففي الصحيح وغيره عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لأنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْأَلَ أحَدًا فَيُعْطِيه أوْ يمنعه«(1).

وفي حديث آخر عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: أما فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ، وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا، فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَدَّ فِيهِ عُودًا بِيَدِهِ، وَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ، وَلاَ أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: اشْتَرِي بِبَعْضِهَا طَعَامًا، وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ«(2).

فظهر من هذين الحديثين أن الإسلام دين العمل والسعي والكسب والجد والاجتهاد، وليس دين العجز والفتور والكسل والخمول والبطالة، وفي الأثر: «أن عمر رأى رجلًا مطأطأ الرأس، فضربه بالدرة، وقال: لا رهبانية في ديننا«.

فالفرد المسلم فرد عامل نشيط.

والأمة المسلمة أمة متحركة فيما ينفعها.

فلا مكانة للبطالة والعجز والتكاسل في دين الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْكَيسُّ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أتْبعً نَفْسَه هَوَاهَا وتمَنَّى عَلَى الله»(3). كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ من العجز والكسل. وهو قدوة الأمة، ولم يكن يقربه كسل أو عجز، وفي شبابه قبل أن يُكَرم بالرسالة كان عاملًا نشيطًا يرعى الغنم على قراريط، ويتجه في أموال أم المؤمنين خديجة ل ويسافر إلى الشام في ذلك، وفي بيته يكون في مهنة أهله.

د - كما يظهر ذلك جليًّا في إتقان الله العمل، فسبحان الذي أتقن كل شيء، وكذا إن الله سبحانه يحب من أحدكم إذا عمل عملًا أن يتقنه(4)، ولا يأتي ذلك إلا بالجد والعمل.

فإلى المسلمين جميعًا أوجّه هذا النداء.. إلى الشباب خاصة أن ينفضوا غبار النوم والكسل؛ ليسعوا فيما يحقق مصلحتهم الشخصية، والأسرية، ومصالح المجتمع والأمة كما عليهم أن يبعدوا عن كل ما يلهيهم عن الجد والعمل.

- من النوم المتواصل.

- وكثرة النزول في الملاهي.

- والتسكع في الشوارع والأسواق.

- ومجالس غير نافعة.

- والبطالة.

هذا هو المَعْلَم الأول من أركان السعادة: «احرص على ما ينفعك«.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري في البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، رقم: (2074)، ومسلم في الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، رقم: (1042).

(2) رواه أبوداود في الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، رقم: (1641) والترمذي في البيوع، باب ما جاء في بيع من يزيد، رقم:(1218) والنسائي في البيوع، باب البيع فيمن يزيد، رقم: (4512)، وابن ماجه في التجارات، باب بيع المزايدة، رقم: (2198) وأحمد في (باقي مسند المكثرين)، رقم: (11557)، والحلس: كساء يجلل ظهر الدابة، والشعب: إناء، فقر مدقع: أي شديد، والغرم المفظع: الدين الثقيل والكبير. أو لذي دم موجع: بكسر الجيم وفتحها أي مؤلم، والمراد دم يُوجع القاتل أو أولياءه بأن تلزمَه الدية وليس لهم ما يؤدون به الدية، ويطلب أولياء المقتول منهم، وتنبعث الفتنة والمخاصمة بينهم، وقيل: هو أن يتحمل الدية فيسعى فيها ويسأل حتى يؤديها إلى أولياء المقتول لتنقطع الخصومة.

(3) رواه الترمذي في صفة القيامة، باب حديث الكيس مَن دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، رقم: (2459) وابن ماجه في الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، رقم: (4260).

(4) وفي الحديث عن عائشة: أن النبي غ قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»، مسند أبي يعلى (7/349).



بحث عن بحث