الوقفة الرابعة: احرص على ما ينفعك

فالرابح مَن يسعى سعيًا حثيثًا إلى ما يحقق مصلحته الأخروية، وراحته في الحياة الأبدية، {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ}(1)، ومَن سعى للآخرة سهل الله أمره الدنيا، قال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ}(2)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كانَتِ الآخرةُ هَمَّهُ، جعل الله غِناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَهُ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة، وَمَنْ كانت الدنيا هَمَّه، جعل الله فَقْرَه بين عينيه، وفَرَّق عليه شَمْلَهُ، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قُدِّر له«(3).

وليذكر المسلم أن من ابتغى نفع الآخرة وجعلها هدفًا له، كانت أعماله في الدنيا كلها أجرًا وثوابًا وخيرًا له حتى ما يضعه الرجل في فيِّ امرأته كما سبق، وفي حديث آخر سرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة مجالات في الأجر حتى قال: «وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرًا«(4).

فالمسلم في كل ما يقوم به من الأعمال له أجر، وفيه خير، سواء كان طالبًا أو معلمًا أو تاجرًا أو مزارعًا، أو امرأة في بيتها وتقوم بمهمتها، قال بعض السلف: «إني لأحتسب نعمتي كما أحتسب قومتي». يعني: يحتسب الأجر في نومه كما يحتسب الأجر في قيامه بالليل.

3-ومن الأمور التي تدل عليها هذه العبارة: «احرص على ما ينفعك»: أهمية العمل في دين الإسلام، فالإسلام دين حركة وعمل، دين نشاط وجِد، دين اجتهاد وحرص، ودأب ومواصلة، ويظهر هذا من:

أ - الحث على العمل والتكسب، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}(5).

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق، وَرَجُل آتاهُ الله الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا»(6). ومعلوم أن المال والعلم لا يتأتيان إلا من خلال الجد والعمل.

ب - ويظهر ذلك أيضًا من تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم العامل النافع على غيره، ففي الصحيح أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ صَدَقَةٌ». فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بيِدِهِ فينفع نَفْسَهُ وَيَتَصدَّقُ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الشَّرِّ؛ فَإنَّهَا لَهُ صَدَقَة»(7).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الأعلى:14 – 15]

(2) [الليل:5-7]

(3) رواه الترمذي في صفة القيامة، باب أحاديث: (ابتلينا بالضراء)، و(من كانت الآخرة همه)، و(ابن آدم تفرغ لعبادتي)، رقم: (2465)، وابن ماجه في الزهد، باب الهم بالدنيا، رقم: (4105).

(4) رواه مسلم في الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، رقم: (1006).

(5) [الجمعة:9-10]

(6) رواه البخاري في العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، رقم: (73)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره

فعمل بها وعلمها، رقم: (816).

(7) رواه البخاري في الزكاة، باب على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف، رقم: (1445)، ومسلم في الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، رقم: (1008).



بحث عن بحث