الوقفة الرابعة: احرص على ما ينفعك

بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أركان سعادة المرء في هذه الحياة الدنيا، وفي الآخرة، وهي لا تتم للمسلم إلا من خلال تعامله بالمنهج الذي رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من خلال المعالم الآتية:

المعلم الأول: السعي وراء المصلحة الشرعية، وجعلها هدفًا يسعى إليه، وغاية ينشدها، عبَّر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في هذا الحديث: «احرص على ما ينفعك«.

الرسول صلى الله عليه وسلم يريد الخير لك ولأسرتك ولمجتمعك وللأمة جمعاء، فحرصك على ما ينفعك لا بد وأن يشتمل على خيري الدنيا والآخرة، وأن يتعدى هذا الحرص حتى ينتفع بك أسرتك ومجتمعك بل الأمة كلها.

فهذا الحرص يتضمن أمورًا في غاية الأهمية:

1-الحرص على ما ينفعك في أمور دنياك، فتسعى في مصالحك الدنيوية المضبوطة بالضوابط الشرعية، ومن أهمها:

أ- أن تعالج نيتك في عملك الدنيوي، وفيما ابتغيته من النفع، فلا يكون حظ المسلم من عمله وكسبه مصلحته الدنيوية فقط، فإذا طلب المال يكون طلبه لكف نفسه عن السؤال وعن المحرمات، وينوي به إعفاء أهله وأسرته وسد حاجاتهم، وعند ذلك يصير عمله الدنيوي عبادة شاب عليها، ففي الصحيح: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَإنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ الله إلاَ أجِرْتَ بِهَا حَتَى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأتِكَ»(1). و«إنما الأعمال بالنيات»(2).

(ب) أن تكون هذه المصالح تقودك إلى النفع الأخروي، ووسيلة إليه، وليست هدفًا بحد ذاتها؛ فما تجمعه من مال، وما تقوم به من حركة، وما تؤديه من عمل ووظيفة، وما تحصل عليه من جاه ورئاسة ونحوها، كل ذلك ليعبر بها المرء إلى الآخرة، والدنيا مزرعة الآخرة، تحصد في الآخرة ما زرعته في هذه الحياة الدنيا، قال تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ}(3).

روى البخاري وغيره عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. فَقَالُوا: يَا نَبيَّ اللهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيدهِ فَينفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: فإن لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ المَلْهُوفَ. قَالُوا: فَإن لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَلْيَفْعَل بالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَن الشَّر؛ فَإنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ»(4).

فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا العامل له غايتان: ينفع بعمله نفسه، وينفع الآخرين فيتصدق عليهم.

ويقول سبحانه:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }(5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري في الجنائز، باب رثاء النبي غ سعد بن خولة، رقم: (1295)، ومسلم في الوصية، باب الوصية بالثلث، رقم: (1268).

(2) رواه البخاري في بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله غ، رقم: (1)، ومسلم في الإمارة، باب قوله غ: «إنما الأعمال بالنية» وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، رقم: (1907).

(3) [الشورى:20]

(4) رواه البخاري في الزكاة، باب على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف (1445)، ومسلم في الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، رقم: (1008).

(5) [القصص:77]



بحث عن بحث