الوقفة الثالثة: وفي كل خير

وفي حديث أبي هريرة قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ أَقْصِرْ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ. فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا؟ أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا، وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ» فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ! لتكلم بِكَلِمَة أَو بقت دُنْيَاهُ وآخرته(1).

نعم. تكلم بكلمة خرّبت دنياه وآخرته، فعلى المسلم قبل أن يتكلم في الآخر أن ينظر عاقبته، فقد يتكلم بكلمة لا يلقي لها بالًا يقع بها في النار، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِن العَبْد ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من رضوَان الله لَا يلقِي لَهَا بَالًا يرفعهُ الله بهَا دَرَجَات، وَإِن العَبْد ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من سخط الله لَا يلقى لَهَا بَالًا يهوي بهَا فِي جَهَنَّم«(2).

فلا بد للمسلم أن يكون ليِّن الكلام، هادئًا متواضعًا خاشعًا، صبورًا لا يتعالى على الآخرين، ولا يفخر ولا يتكبر ولا يتغطرس، عملًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وَإنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدْ، وَلا يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ«(3).

فالذي في قلبه إيمان -ولو بأقل مقدار- فيه خير، ولا ينبغي لأحد من المسلمين أن ينظر إليه بنظرة الاحتقار والازدراء، بل يدعوه إلى الخير بأسلوب حسن، ويدعو الله له بالتوفيق.

كما أن على المسلم أن يستغل الخيرية التي رزقه الله تعالى إياها فينميها ويزيدها، فإذا كان هذا الشخص مثلًا يحب خدمة الآخرين ونفعهم فلينمِّ هذا الجانب لديه، ويركز عليه، ويبذل فيه حتى يبدع فيه، وهكذا من يحب العلم وعنده قدرة على الطلب، ولو في جانب من العلم كالفقه والتوحيد، ومثله قراءة القرآن وإقراره وهكذا ففي كل خير.

وهمسة هنا في أُذُن كل معلم ومعلمة، وأب وأم، ومرب ومربية؛ لينظروا إلى من تحت أيديهم ليستغلوا ما فيهم من الخيرية التي رزقهم الله إياها، وإن كانت في نظرهم أنها ليست ذات اْهمية، فمراعاة الفروق الفردية بين الطلاب أو الأبناء أو البنات أمر في غاية الأهمية في التربية. ولنضرب مثالًا على ذلك: ابن أو طالب منحه الله تعالى صفة الحفظ؛ فلننم هذا الجانب لديه بحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، ومتون أهل العلم في التوحيد والفقه وغيرها، وكذا بعض الأشعار والحكم والأمثال، وهكذا. وبنت مثلًا لديها جانب المهارات المنزلية فننميها لديها ولا نقول: إن الحفظ غير مهم والمهم الفهم، فهنا نحطم هذا الابن، ولا نقول: إن عمل المنزل أصبح ثانويًا فنقضي على هذه الخيرية لدى تلك البنت، ومثله حب الاطلاع والقراءة وسائر المهارات.

وما يُقال في حق العلم والتعليم يُقال في حق العبادة والمواهب والقدرات، وفي كل خير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه أبوداود في الأدب، باب في النهي عن البغي، رقم: (4901)، وأحمد في مسند المكثرين، رقم: (8093، 8531).

(2) رواه البخاري في الرقاق، باب حفظ اللسان، رقم: (6478)، ومسلم في الزهد، باب حفظ اللسان، رقم: (2988).

(3) رواه مسلم في الجنة ونعيمها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم: (28865).



بحث عن بحث