المسألة الثانية: حكم إنكار المنكر

3-الإجماع: وقد حكى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واحد من أهل العلم، قال إمام الحرمين الجويني: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بالإجماع«.

وقال النووي: «وقد تطابق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرِ الكتابُ والسنةُ والإجماعُ«(1)

وقال القرطبي:: «أجمع المسلمون فيما ذكر ابن عبد البر أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه«.

وقال ابن حزم: «اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منهم«.

هذا وقد ذكر بعض العلماء: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مبادئ عقيدة أهل السنة والجماعة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :: «ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على توجيه الشريعة«.

هذا هو الحكم عند أهل السنة والجماعة، ولم يخالف في ذلك من الطوائف (أي في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) إلا الروافض، فلم يوجبوه بحجة اشتراطهم لوجوبه خروج الإمام المعصوم، ولكن لم يعتد العلماء بخلافهم.

يقول النووي :: «ولم يخالف في ذلك إلا الرافضة، ولا يعتد بكلامهم كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين: ولا يكترث بكلامهم في هذا؛ فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبع هؤلاء«(2)

ويقول الغزالي:: «والعجب أن الروافض زادوا على هذا فقالوا: لا يجوز الأمر بالمعروف ما لم يخرج الإمام المعصوم، وهو الإمام الحق عندهم، وهؤلاء أخس رتبة من أن يكلموا، بل جوابهم أن يقال لهم إذا جاءوا إلى القضاء طالبين لحقوقهم في دمائهم وأموالهم: إن نصرتكم أمر بالمعروف، واستخراج حقوقكم من أيدي من ظلمكم نهي عن المنكر، وطلبكم لحقوقكم من جملة المعروف، وما هذا زمان النهي عن الظلم وطلب الحقوق؛ لأن الإمام بَعْدُ لم يخرج«(3)

نستخلص مما سبق: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب.

لكن هنا أمران:

الأول: هل هذا الوجوب بطريق الشرع أو العقل؟

الثاني: هل الوجوب عينيّ أم كفائي؟

      الأمر الأول:

توضيح المسألة: عرفنا وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل هذه المعرفة تمت عن طريق العقل، أو عن طريق الشرع؟!

قبل الإجابة المباشرة ينبغي أن نعلم أن هذه المسألة مبنية على التحسين والتقبيح العقليين، ومسألة التقبيح والتحسين مسألة أصولية وقع فيها خلاف ملخصه ثلاثة أقوال:

1-    الأشعرية: قالوا: إنه ليس للعقل مجال في التحسين والتقبيح، إنما المحسن والمقبح هو الشرع، فلا حَسَنَ إلا ما رآه الشرع حسنًا، ولا قبيح إلا ما رآه قبيحًا، ومن ثم فلا ثواب ولا عقاب إلا بعد ورود الشرع: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}(4)

2-    المعتزلة: أن للأفعال والأقوال ذاتها حسنًا وقبحًا عقليين، ويقع الثواب والعقاب على ذلك حتى ولو لم يَرِدِ الشرع.

3-    الجمهور من أهل السنة جمعوا بين القولين: أن للأفعال والأقوال حُسنًا وقُبحًا عقليين، لكن الموجب هو الله، ولا ثواب ولا عقاب إلا بعد ورود الشرع(5)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 22).

(2) المصدر السابق (2/ 22).

(3) الإحياء (2/ 315).

(4) سورة الإسراء، آية:(14).

(5) مفتاح دار السعادة (2/ 37).



بحث عن بحث