المبحث الثاني: التحليل اللفظي للحديث

وقبل أن نترك تعريف المنكر والمعروف أشير بالمناسبة إلى مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة.

من المعروف أن أصول الدين عند المعتزلة خمسة هي:

1-    التوحيد: ويعنون به: سلب الصفات عن الله -سبحانه وتعالى-.

2-    والعدل: الذي هو التكذيب بالقدر.

3-    المنزلة بين المنزلتين: ويعنونبه: أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الجنة والنار.

  -4  إنفاذ الوعيد: ويعنون به: إنفاذ وعيد الله تعالى على مستحقه.

5-    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ويعنون به: قتال الأئمة والخروج عليهم، ولا شك أن هذا المفهوم خاطئ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :: «ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال أئمة الجور، وأمر بالصبر على جورهم، ونهى عن القتال في الفتنة، فأهل البدع من الخوارج والشيعة والمعتزلة وغيرهم يرون قتالهم والخروج عليهم، وإذا فعلوا ظلمًا أو ما ظنوه ظلمًا، ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»(1)، ولا يخفى فساد هذا المفهوم على من لديه أدنى نظر في نصوص الشريعة، كيف وقد تضافرت الأدلة على وجوب طاعة ولاة الأمر حتى ولو كانوا فجارًا.

قوله: «فليغيره بيده» جواب الشرط، دخلت عليه الفاء لأنه طلب.

والمراد من التغيير: الإنكار والإبطال والمنع.

والمراد من اليد:الجوارح، ويعبر عن الجوارح باليد كثيرًا؛ لأنها أكثر الجوارح استعمالًا وأشدها أثرًا.

جاء في رواية الترمذي: «فلينكره» ولعلها أقرب للمعنى المذكور.

والأمر في قوله: «فليغيره» أمر إيجاب بإجماع الأمة. قاله النووي(2)

قوله: «فإن لم يستطع فبلسانه».

مفعول (يستطع) محذوف، والتقدير: فإن لم يستطع تغيير المنكر بيده فليغيره بلسانه.

والمراد من اللسان: النطق والكلام.

قوله: «فإن لم يستطع فبقلبه». أي فليغيره بقلبه، قال النووي :: «معناه: فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير منه للمنكر، ولكن هو الذي في وسعه.اهـ. ولذا قال بعض أهل العلم في إطلاق التغيير على إنكار القلب توسع؛ لأن كراهية المنكر بالقلب لا يغير من الواقع، ولا يمنع صاحبه منه»(3).

قوله: «وذلك أضعف الإيمان». قال النووي :: «معناه -والله أعلم- أقله ثمرة»(4).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «أما القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وذلك أدنى أو أضعف الإيمان» وقال: «ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»(5). اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ينظر: التنبيهات السنية (356).

(2) صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 22).

(3) المصدر السابق (2/ 25).

(4) المصدر السابق (2/ 25).

(5) الفتاوى (15/ 348).



بحث عن بحث