الوقفة السادسة

قوله ﷺ: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن باللّه..».

هذه جملة عظيمة، كلماتها قليلة، ومعانيها كبيرة، وفيها عدة فوائد:

الفائدة الأولى: أن هذه الجملة موافقة لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ([2]).

فلنلجأ إلى الله سبحانه وتعالى وحده بالسؤال، فقد قال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ([4]).

الفائدة الثانية: دلت هذه الجملة على سؤال الله عز وجل دون خلقه، وهذا السؤال هو المتعين على العباد، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل، وفيه بيان حاجته وفقره إليه، كما أن فيه اعترافًا بقدرة المسؤول على نيل المطلوب، وإجابة السؤال، ودفع الضرر، وجلب النفع، ودرء المفسدة، وكل ذلك لا يصلح إلا لله وحده لا شريك له، يقول سبحانه: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ([6]).

فيفهم من هذه النصوص وغيرها: أنه ينبغي للمسلم أن لا يلجأ بسؤاله ودعائه واستعانته واستغاثته إلا لله سبحانه وتعالى؛ فهو وحده المستحق لذلك، وهو الذي يجيب دعوة الداع إذا دعاه، ومن هنا نعلم خطأ من يلجأ بحاجته وسؤاله إلى غير الله، أو يتوسل بغيره له، كمن يتوسل بالأولياء والصالحين، أو بأضرحتهم وقبورهم؛ فمن فعل ذلك كان على خطر عظيم في دينه، فاللّه سبحانه وتعالى لم يجعل بينه وبين خلقه وسائط، بل هو قريب يسمع دعاء الداع: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ([8]).

وروى مسلم وغيره عن أبي ذر ط عن النبي ﷺ فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد في ملكي شيئًا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرًا فليحمد الله عز وجل، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»([10]).

من هذه النصوص النبوية نعلم أن الله سبحانه وتعالى قريب مجيب؛ فلا يبقى على المسلم إلا أن يلجأ إلى الله وحده لا شريك له، وأن يخلص دعاءه له، صدقًا من قلبه، ليتقبل الله دعاءه ويستجيب لمسألته، ويعطيه مطلوبه، فاللّه كريم جواد، خزائنه ملأى لا تنفد:  ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ (

 

وسل الذي أبوابه لا تحجب
وبنُيّ آدم حين يسأله يغضب

الفائدة الرابعة: قوله ﷺ: «وإذا استعنت فاستعن باللّه...».

اعلم أخي المسلم! أن هذه الجملة موافقة لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾([13]).

فعلينا أن نتجه بالاستعانة باللّه وحده لا سواه، نسأل الله الإعانة على ذلك، والتوفيق في الدنيا والآخرة.


([2]) رواه الترمذي في سننه، رقم الحديث: (3371) والطبراني في الدعاء رقم: (8) وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.

([4]) سورة البقرة، الآية: (186).

([6]) رواه البخاري، باب قول الله تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ (5/2310) رقم الباب: (15) رقم الحديث: (7405)، ورواه مسلم في كتاب التوبة، باب الحض على التوبة والفرح بها، المجلد السادس (18/ 218) رقم الباب: (1) رقم الحديث: (1/ 2675).

([8]) سورة النساء، الآية: (32).

([10]) رواه الترمذي في كتاب الدعوات، باب غفران الذنوب مهما عظمت، رقم الحديث، (3534)، ورواه الدارمي في سننه (2/ 322)، وأحمد في المسند (5/ 172).

([12]) سورة الفاتحة، الآية: (5).

([13]) جامع العلوم والحكم (1/193).



بحث عن بحث