فضلِ قِيامِ رَمَضَانَ

 

أخرج البخاري في كتاب صلاة التراويح ، باب فضل من قام رمضان ( 2008 ) : عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، فَتُوفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والأمْرُ عَلَى ذَلِكَ، ثمَّ كَانَ الأمْرُ عَلَى ذَلِكَ في خِلافَةِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَصَدْراً مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

شرح الحديث :

 يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً " قال النووي: المراد بقيام رمضان صلاة التراويح. اهـ. أي من أحيا ليالي رمضان بالعبادة وأهمها صلاة التراويح إيماناً وتصديقاً بما وعد الله به القائمين وانتظاراً للأجر والمثوبة عند الله تعالى وابتغاءً لمرضاته

" غفر له ما تقدم من ذنبه " أي: كان قيامه هذا سبباً في غفران ذنوبه السابقة

فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك " أي والصحابة طيلة حياته - صلى الله عليه وسلم - يصلون التراويح فرادى، لا يجمعهم إمام، " ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر " أي وما زالوا يصلّون متفرقين في عهد أبي  بكر، وأول خلافة عمر، ثم جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرع للناس صلاة التراويح، وحثهم عليها، فاستجابوا لدعوته، وأدوها في عهده متفرقين منفردين في بيوتهم -غالباً- قال الحافظ: في قوله " والأمر على ذلك " أي على ترك الجماعة. اهـ. ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع الناس على القيام كما في رواية أحمد عن الزهرى واستمر الأمر على ذلك إلى أول خلافة عمر رضي الله عنه، ثم جمعهم عمر رضي الله عنه على أبي بن كعب، فصلّى بهم في المسجد جماعة، فخرج ليلة والناس يصلون خلفه فَسُرَّ بذلك. وقال: " نِعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون " يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله كما في البخاري.

 ثانياً: الترغيب في إحياء ليالي رمضان بالعبادة وقراءة القرآن، والتأكيد على استحباب صلاة التراويح، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل قيام رمضان سبباً في غفران الذنوب، والمراد بقيام رمضان كما قال النووي: صلاة التراويح، قال ابن قدامة: وهي سنة مؤكدة، وأول من سنّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو هريرة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغِّب في صلاة الليل من غير أن يأمر بعزيمة وهي سنة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد فعلها أصحابه في حياته، وأثنى عليهم، وصوب ما صنعوا كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء قوم ليس معهم قرآن وأُبي بن كعب يؤمهم وهم يصلون بصلاته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أصابوا، ونعم ما صنعوا " أخرجه أبو داود وفي إسناده مسلم بن خالد وهو صدوق كثير الأوهام ، وفيه دليل على أن الأفضل لغير القارىء أن يصلي التراويح مأموماً بخلاف القارىء، فإن الأفضل في حقه الانفراد ــ كما نقله الترمذي عن الشافعي ــ وقال الجمهور: صلاة التراويح جماعة في المسجد أفضل منها في المنازل ، وقالت المالكية أداء صلاة التراويح في البيت أفضل من أدائها في المسجد، وهو قول بعض الحنفية، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث زيد بن ثابت " فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة )(1) فدل ذلك على أن صلاة التراويح في البيت أفضل إلا أن يكون آفاقياً أو لا ينشط لفعلها في بيته فأداؤها في المسجد أفضل، قال مالك في " المدونة ": قيام الرجل في بيته في رمضان أحب إليّ لمن قوي عليه، وليس كل الناس يقوى على ذلك ، وقال أبو يوسف وبعض الشافعية: الأفضل صلاتها فرادى. واستدل الجمهور على أن الجماعة فيها أفضل بأن ذلك هو ما فعله عمر ووافقه عليه أصحاب رسول الله، واستمر عمل المسلمين عليه، فكان ذلك إجماعاً من الصحابة على أفضلية الجماعة في صلاة التراويح، ولذلك قال أحمد: يعجبني أن يصلي مع الإِمام ويوتر معه(2).

____________

(1) أخرجه ابن خزيمة ( 1204 ) وابن حبان ( 2491 ).

(2) انظر : منار القاري 3 / 241 ــ 243 ، فتح الباري 5 / 445 ــ 450 .



بحث عن بحث