شهر رمضان (1-10)

 

خامسا : لمّ شعث القلب، والتفكر في ملكوت الله (تعالى) :

لما كان فضول الطعام والشراب والكلام والمنام ومخالطة الأنام مما يزيد القلب شعثاً ويشتته في كل وادٍ، ويقطعه عن سيره إلى الله (تعالى) ، أو يضعفه أو يعوقه ويوقفه، اقتضت رحمة الله (تعالى) بعباده أن شرع لهم من الصوم مايذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات وشرع لهم من العبادات أثناءه من اعتكاف وقيام ودعاء وتلاوة قرآن مايذهب فضول الكلام والمنام ومخالطة الأنام. ولذا صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الصوم جنة وحصن حصين من النار)(1) بل عده حصناً للمؤمن، وذلك لكونه: كاسراً للشهوة ومضعفاً لها، قال: (يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(2)

ومضيقاً على الشيطان مجاريه بتضييق مجاري الطعام والشراب قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)(3) ، فتسكن بذلك وساوس الشيطان.

كما أن القلب في حال الصيام يتفرغ للتفكر في آيات الله (تعالى) وملكوته، لأن الإفراط في تناول الشهوات يستوجب الغفلة، وربما يقسي القلب ويعمي عن الحق، قال ابن رجب: (وخلو الباطن من الطعام والشراب ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته ويخليه للذكر والفكر)  .

سادسا :  معرفة العباد لما هم فيه من نعم، وتذكر الأغنياء لحال إخوانهم الفقراء:

يحصل للأغنياء نتيجة امتناعهم عن الطعام والشراب في نهار الصيام مشقة،فيوجب ذلك لهم معرفة قدر نعمة الله (تعالى) عليهم بالغنى؛ حيث مكنهم من تلك النعم طوال العام مع ابتلاء عبادٍ له آخرين بالحرمان؛ مما يستوجب الشكر لله(تعالى) على ذلك.

كما أن الفقراء ينظرون في العطايا التي يعطاها العباد خلال هذا الشهر من خلو الذهن للتفكر والعبادة والذكر نتيجة الجوع وخلو البطن، ويرون أن حالهم

مقاربة لذلك في غالب العام، وأنهم مؤهلون لاستغلال تلك النعم طوال الوقت مما يستدعي شكرها.

كما أن الصيام يجعل الأغنياء يتذكرون حال من حولهم من إخوانهم الفقراء، ويدعوهم إلى رحمة المحتاجين ومواساتهم بما يمكن من ذلك.

سابعا :  قوة الأجساد وصحتها:

الأصل في مشروعية الصيام أنه يقوي الإيمان ويكسب العبد التقوى التي

تحجزه عن المعاصي والآثام إلا أن له حكماً وفوائد أخر، من أبرزها: ما اتضح في عصرنا من تقويته للأجساد وأثره في صحتها بالوقاية من العلل والأمراض

 __________

(1) أحمد 15/ 123، برقم 9225، وصحح إسناده محققو المسند، 15/ 123، وحسنه المنذري، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 578: ((حسن لغيره)).

(2) سبق تخريجه.

(3) أخرجه البخاري ( 6119 ، 7171 )، ومسلم ( 2174 ) .



بحث عن بحث