القاعدة التاسعة: استخدام الأساليب التربوية المختلفة (4-7)

ثانيًا: التربية بالتوجيه المباشر:

من الأصول التي اتبعها الرسول ﷺ في تربية الصحابة رضوان الله عليهم هو مقابلتهم والتحدث إليهم بشكل مباشر، وهي من الأساليب القرآنية المتكررة في كتاب الله تعالى عند مخاطبة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام أو مخاطبة المؤمنين.

فقد خاطب الله تعالى أنبيائه في مواطن كثيرة بهذا الأسلوب، ومن الأمثلة على ذلك:

- قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}(1).

- قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}(2).

- قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(3).

- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ}(4).

كما أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن يخاطب الناس بصورة مباشرة، كما في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}(5).

وجاء الخطاب الرباني أيضًا في مخاطبة عباده بشكل مباشر وبأساليب مختلفة، كما في الآيات الآتية:

- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(6).

- قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(7).

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(8).

صور التربية المباشرة من الهدي النبوي:

يمكن تحديد النماذج التربوية المباشرة التي كان يتبعها النبي ﷺ من خلال:

1 ـــ النصيحة الفردية:

حيث كان عليه الصلاة والسلام يخاطب شخصًا معينًا بصورة مباشرة وينصحه ويبين له الحلال والحرام، سواء كان التوجيه بمناسبة أو من غير مناسبة، جاءت هذه النصيحة والتوجيه بسبب موقف أو حادثة أو بعيدًا عن الأحداث، وفيما يلي بعض صور النصيحة الفردية من الهدي النبي:

- روى عمر بن أبي سلمة قال: كنت يتيمًا في حجر رسول الله ﷺ فكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي النبي ﷺ: «يا غلام سمّ الله وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك»(9).

- عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي ﷺ يومًا، فقال: «يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف»(10).

- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها»(11).

2 ـــ الموعظة العامة:

كما أن النبي ﷺ كان يستخدم الموعظة العامة حين يرى خطأ أو ينقل له سلوك خاطئ، ربما لتفادي الإحراج الذي قد يقع فيه المدعو أو لعموم الفائدة، أو لصياغة منهج للمسلمين بعامة، وهذا هو الغالب في توجيهاته ومواعظه عليه الصلاة والسلام، كما في الأمثلة الآتية:

- عن أنس ط أن نفرًا من أصحاب النبي ﷺ سألوا أزواج النبي ﷺ عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني»(12).

- عن عائشة رضي الله عنه قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقلْ: ما بال فلان يقول، ولكنْ يقول: ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا»(13).

- قالت عائشة صنع النبي ﷺ شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي ﷺ فخطب فحمد الله، ثم قال: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية»(14).

- قوله ﷺ: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليس في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة»(15).

ومهمّ جدًا أن يتعلم المربون والتربويون هذا الأسلوب في بيوتهم وفي مؤسساتهم التعليمية والتربوية، لأنه يحقق أمرين مهمّين بالنسبة للمتلقي أو المدعو، وهما:

– أنه لا يثير في نفس المخطئ أي إحراج من التخلي عن هذا الفعل وعدم العودة إليه، ويكون ذلك بينه وبين الله تعالى.

– يحس المخطئ بخطئه ويقر به في قرارة نفسه، لا سيما حين يسمع هذا التحذير من غير تخصيص أو تشهير له، فلا تأخذه العزة بالإثم للإصرار على الخطأ.

    

- ويلحق بالتوجيه المباشر في هذا العصر الإعلام بأنواعه المختلفة:

أ – المكتوب: من خلال الكتب والنشرات والصحف ومواقع الانترنت، حيث يمكن توجيه الناس عبر هذه الوسائل الكتابية وتربيتهم على الهدي النبوي، وهي بمثابة أسلوب مباشر، لأنها تصل إلى جميع الناس وبسهولة، لا سيما بعد هذا التطور التقني الهائل.

ب – المسموع: حيث يمكن للدعاة والمربين أن يوجّهوا الناس ويعلّموهم تعاليم الإسلام بمحاضراتهم ولقاءاتهم وندواتهم وفتاويهم عبر الإذاعة وأشرطة الكاسيت والأقراص المدمجة، والتي يسهل استخدامها، سواء في البيت، أو في السيارة، أو غيرها.

ج – المرئي: حيث يمكن الاستفادة من الأقمار الصناعية وفضائياتها لتوجيه الناس بالصوت والصورة، عبر المشاركات المختلفة من قبل الدعاة والتربويين وطلبة العلم، باللقاءات العلمية، أو برامج تربوية، أو فتاوى شرعية، وغيرها، حيث أصبحت هذه الفضائيات من أكثر الوسائل استخدامًا وتأثيرًا في حياة الناس، فلا يخلو بيت – إلا ما رحم الله - إلا ويتلقى ما تبثه الفضائيات، من ثقافات وأفكار مختلفة.

3 ـــ آداب التوجيه المباشر:

وللتوجيه المباشر أصول وآداب، كما كان يفعله النبي ﷺ، من المهم أن يتعلمها المربي ويعمل بها، ومن تلك الآداب:

أ – إخلاص النية لله تعالى في التوجيه والإرشاد، والابتعاد عن الرياء وأسبابه، أو الطمع في تحقيق مصلحة أو الحصول على مال أو جاه أو منصب، لأن الإخلاص في العمل يحقق النجاحات والنتائج الإيجابية المرجوة، أما عدم الإخلاص، فيؤثر سلبًا على عملية التوجيه والتربية، فضلاً عن الآثار السلبية على المربّي أو التربوي نفسه، يقول الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}(16).

ب – حسن التخاطب مع الناس، والابتعاد عن وسائل القدح والتجريح، حتى مع الأبناء والبنات، كما كان يفعله النبي ﷺ، حتى يتقبلوا النصيحة أو التوجيه بأريحية وقناعة، ومن ثم ترجمتها إلى واقع عملي، وهو امتثال لقول الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(17).

ج – أن يرافق التوجيه والإرشاد كلمات الحب والمودة، كما فعل ذلك النبي ﷺ مع معاذ رضي الله عنه حين قال له: «يا معاذ والله إني لأحبك فقال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»(18).

د – الميل إلى الترغيب في التوجيه أكثر من الترهيب، لأن النفس تطمئن إلى ذلك وتتقبله، لذا كان النبي ﷺ يستخدم الترغيب كثيرًا في مجال التوجيه والتعليم والنصح، كما في قوله ﷺ: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله القائم بالليل الصائم بالنهار»(19).

أما الترهيب فيكون في التحذير والتنبيه لتفادي الوقوع في الكبائر كالشرك بالله والقتل وعقوق الوالدين والزنا وغيرها.

هـ – التوجيه بصورة انفرادية، بحيث لا يسمع أحد طبيعة هذا النصح أو التوجيه، لأن بعض الحالات والمواقف تتطلب أن يكون التوجيه انفراديًا ومباشرًا، تفاديًا للإحراج ودفعًا للمشقة، وصدق الشافعي حين قال:

وجنِّبني النصيحةَ في الجماعهْ *** من التَّوْبيخ لا أرْضى استماعهْ

تَعمَّدْني بنُصحكَ في انفرادي *** فإن النصحَ بين الناس نوعٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 35]

(2) [النمل: 10]

(3) [القصص: 30]

(4) [الأنفال: 65]

(5) [الحج: 49]

(6) [البقرة: 153]

(7) [آل عمران: 64]

(8) [الأعراف: 158]

(9) سبق تخريجه

(10) سبق تخريجه

(11) أخرجه مسلم (3: 1457 ، رقم 1825)

(12) أخرجه مسلم (2: 1020 رقم 1401)

(13) أخرجه أبو داود(4: 397 رقم 4790)

(14) أخرجه البخاري(5: 2263 رقم 5750)

(15) أخرجه البخاري (2: 757 ، رقم 2048)

(16) [النساء: 146]

(17) [النحل: 125]

(18) أخرجه أبو داود (2: 86 ، رقم 1522)

(19) أخرجه البخاري (5: 2047 ، رقم 5038)



بحث عن بحث