القاعدة الثانية: تحديد الهدف (3-3)

وقد صاغ النبي ﷺ حياته كلها لتحقيق الهدف الأكبر من الرسالة، فسخّر جميع إمكاناته وأوقاته للوصول إلى تحقيق هذا الهدف وهو «البلاغ»، وقد وصل إلى ذلك كما جاء في خطبته في حجة الوداع: اللهم هل بلغت، قالوا: نعم. قال: اللهم فاشهد.

ولذا نجد في سيرته عليه الصلاة والسلام أنه:

- كان عليه الصلاة والسلام يبدأ بتربية نفسه قبل الآخرين، فيقوم الليل ويتعبّد الله حتى تتورم قدماه، ثم يحثّ أهله وصحابته على قيام الليل لعظيم فضله وشأنه.

- كان عليه الصلاة والسلام مثلاً رائعًا في الخُلق والسلوك، مع أهل بيته وصحابته رضوان الله عليهم، حتى قال عنه الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}(1).

- كان عليه الصلاة والسلام يتلقى الوحي ويطبق ما يأمره الله به قبل الصحابة، حتى يكون قدوة في التطبيق العملي.

- كان عليه الصلاة والسلام يحافظ على الوقت ويستثمره في طاعة الله والدعوة إلى الإسلام، كما كان يفعل في مواسم الحج حين تتوافد القبائل والوفود إلى مكة.

- كان عليه الصلاة والسلام يخطط من أجل الحفاظ على الدعوة في بدايتها، حين بدأت بالسرّية، ثم أُعلنت حين صار لها أتباع ومناصرون.

- كان عليه الصلاة والسلام يخطط لمستقبل هذا الدين، فأمر بعض صحابته بالهجرة إلى الحبشة من أجل الحفاظ عليهم وعلى الدعوة، ومن أجل نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية، وقد تحقق ذلك لاحقًا.

- كان عليه الصلاة والسلام يأخذ بمبدأ الشورى، فيستشير الصحابة  ويأخذ بآرائهم في القضايا المختلفة، كما حدث في غزوة بدر، وهذا الأمر يزيد من إمكانية النجاح، ويقلل من نسبة الخسارة والفشل.

- كان عليه الصلاة والسلام يجمع أهله وأقرباءه وعشيرته ويبلغهم بالإسلام وتعاليمه بين الفترة والأخرى، ويحذرهم أنه لا يُغْني عنهم من الله شيئًا، كما قال لابنته فاطمة ك: «يا بني عبد شمس، يا بني كعب بن لؤي: أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار. فإني لا أملك لكم من الله شيئًا غير أن لكم رحمًا سأبلها ببلالها»(2).

- كان النبي ﷺ يجالس المشركين واليهود ويحاورهم في قضايا التوحيد والوحي والرسالة، بدون كلل أو ضجر، بل إنه عليه الصلاة والسلام كان يخرج خارج مكة لتحقيق هدفه والوصول إلى غايته في نشر الدعوة، مثل خروجه إلى الطائف ودعوة أهلها إلى الإسلام، رغم أنهم أساؤوا المقابلة معه عليه الصلاة والسلام، حتى أدميت قدماه.

إن مثل هذه المعالم الحيوية والخطوات العملية في حياة النبي ﷺ وغيرها كثيرة، كان الهدف منها هو نشر الإسلام وإيصاله إلى الناس، وقد حقّق الله تعالى هذا الهدف لاحقًا، فقد وصل الإسلام إلى أصقاع الأرض في فترة زمنية قياسية، ودانت للخلافة الإسلامية الإمبراطورية الفارسية والرومانية، واستمر هذا الامتداد للإسلام حتى بلغ أقصاه في هذا العصر، حيث لم تبق بلاد في العالم إلا ويقطنها المسلمون وفيها المساجد والمراكز الإسلامية والأنشطة الدعوية. 

    

والخلاصة: وبناء على ذلك نلخص هذه القاعدة بما يلي:

أن على المربي في مسيرته التربوية مع أهله وأولاده، أو مع تلاميذه، أو مع من تحت يده، أو على مستوى المؤسسات أو المجتمع بعامة أن يحدد الهدف في هذه المسيرة، سواء كانت الأهداف القريبة مثل: تربية أبنائه على خُلق معين، أو تعليم طلابه فكرة معينة، أو تدريبهم على تطبيقات في مهنة أو حرفة، أو تحفيظهم شيئًا من القرآن الكريم أو السنة النبوية في زمن معين، ثم ما بعده، وهكذا.

وإن لم يستطع المربي صياغة هذا الأمر المهم عليه أن يستعين بأهل الخبرة، أو القراءة في كتب التخصص في هذا الشأن.

إن بناء الهدف هو أولى الخطوات السليمة في التربية، فلنبدأ بعزم وتصميم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [القلم: 4]

(2) أخرجه مسلم (1: 133 رقم 522)



بحث عن بحث