من أخطاء التعامل مع الرقية (2-3)

رابعًا: القراءة الجماعية:

من الوسائل التي يتبعها بعض الرقاة والقراء، جمع المرضى في صالة واحدة والقراءة عليهم دفعة واحدة باستعمال مكبر للصوت، وهو أسلوب خاطئ وطريقة غير صحيحة، لأن حالة المرض تختلف من شخص إلى آخر، ربما يكون من الحاضرين مريض بعين وآخر بسحر والثالث بمس، والرابع فيه مرض عضوي بعيد عن الحالة النفسية، والخامس ليس فيه شيء وإنما حالة عصبية، وهكذا، فإن كل شخص يحتاج إلى جلسة خاصة لمعرفة حالته عن قرب ومعرفة الأعراض والقرائن التي تظهر عليه نتيجة هذه الحالة، ومن ثم قراءة الآيات والسور والأذكار المخصصة لحالته، أما أن يتم علاج الجميع بتشخيص واحد فهذا مما لا يقبله الشرع، وله أضرار ونتائج سلبية منها:

-أنها لم ترد القراءة الجماعية عن النبي ﷺ، ولم ترد عن السلف من الصحابة والتابعين، فيخشى أن تأخذ شكل البدعة والإحداث في الدين.

-القراءة الجماعية لا تتيح للراقي معرفة حقيقة المرض وأسبابه ومدى تأثر المريض به، وبالتالي فإن تشخيصه يكون خاطئًا ولن تأتي الرقية بالنتائج المأمولة.

-الخشية من انتقال المرض من شخص إلى آخر، أو تلبس شيطان أحدهم بمريض آخر أو أحد المرافقين، الأمر الذي يمنع كثيرًا من المرضى من حضور القراءة الجماعية.

-عدم تأثر الشياطين بالقراءة الجماعية لعدم وجود التركيز على أحد منهم، لأن القراءة تكون عامة وغير مخصصة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى ظهور سباب وشتم على الراقي، بخلاف القراءة الفردية التي تندر معها هذه الإشكالية.

-تظهر في القراءة الجماعية أحيانًا أسرار المرضى، حين يكشف الشيطان المتلبس بالمريض أخباره وأسراره والظروف التي مرّ بها والأسباب التي دفعته إلى التلبس، وجموع من المرضى والمرافقين يسمعون ذلك، لا سيما أن كثيرًا منهم يسجلون ويصورون مجالس الرقى والأحداث التي تجري فيها.

خامسًا: لمس النساء:

ومن التجاوزات التي يرتكبها بعض القراء أو الرقاة حين يكون المريض من النساء، فلا يأخذون بالضوابط الشرعية المطلوبة الخاصة بهن، وأي تجاوز لذلك هو مخالفة شرعية يأثم بها الطرفان القراء والمرضى، ومن هذه التجاوزات لمس النساء أثناء القراءة دون وضع حاجز أو ساتر، وكذلك الاختلاء معهن أثناء القراءة، وأيضًا الكشف على بعض المواطن من جسدها، وغيرها من المحظورات، التي نهى الشرع عنها، وقد بيّن القرآن الكريم المنهج المتبع في مثل هذه الحالات في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}(1).

وإذا كانت المرأة من اللاتي يصرعن أو يتحركن كثيرًا أثناء القراءة، فلا بد أن يحتاط لهذا الجانب، ويلتزم بالضوابط الشرعية اللازمة، من حيث الحجاب والحشمة حتى تتسلم من التكشف.

سادسًا: إجراء مقابلات مع الجن:

ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الرقاة والقراء صورة جديدة تختلف عن الصورة المألوفة عند الناس من قراءة للقرآن والأدعية فحسب، وإنما مزجوا الوسائل الشرعية المباحة للرقية بالمحرمة، اعتمادًا على بعض الفتاوى التي فهمت خطأ، ليعطوا الشرعية على أعمالهم، وهذه الصورة هي التعامل المباشر مع الجن وبعضهم يسمونهم بالجن الصالحين، لأنهم يسعون من أجل سعادة الإنسان وإزالة الأمراض والأوجاع عنه.

ولم يرد في الشرع شيء من هذا، كما لم يعمل به أحد من سلف هذه الأمة، فهي مخالفة شرعية واضحة، لأن الجن أنفسهم مكلفون مثل الإنس بالعبادة والطاعة، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الأحزاب: 53]

(2) [الذاريات: 56]



بحث عن بحث