حال السلف وأثر القرآن الكريم عليهم

يقول تبارك وتعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(1)، فإن لهذا القرآن أثرًا عجيبًا على النفس بصورة عامة ونفس المؤمن بصورة خاصة، لا سيما أولئك الذين تذوّقوا بلاغة اللغة وجمال المعاني وجذالة الأسلوب وقوة العبارات، مع الإيمان به وتدبره، لذلك كان للقرآن الكريم أثر قوي على السلف الصالح، لشدة إيمانهم ومعرفتهم باللغة وأساليبها، وفيما يلي نماذج لحال بعض السلف حين كانوا يستمعون إلى كتاب الله تعالى:

- عن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال: «رأيت رسول الله ﷺ وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء«(2).

- وتقول عائشة رضي الله عنها عن أبيها: «كان أبو بكر رجلاً بكّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن«(3).

-كما يروى أن تميمًا الداري رضي الله عنه قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}(4).

-قدم جبير بن مطعم على النبي ﷺ فسمعه يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ الآية:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ . أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}(5)،يقول جبير: كاد قلبي أن يطير، وقال: وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي.

-وعن تأثر الجن بالقرآن: يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «انطلق النبي ﷺ في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي ﷺ، وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم وقالوا: يا قومنا{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}(6)، فأنزل الله على نبيه ﷺ {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} وإنما أوحي إليه قول الجن«(7).

وكان الفضيل بن عياض شاطرًا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليًا يتلو:  {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}(8)، فلما سمعها قال: بلى يا رب قد آن فرجع، فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها سايلة فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم حتى نصبح، فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام«(9).

-ويروى أن بعض فقهاء مصر دخلوا على الشافعي وهو في المسجد وبين يديه المصحف فقال لهم الشافعي: «شغلكم الفقه عن القرآن إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي، فما أطبقه حتى الصبح«(10).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الحشر: 21]

(2) أخرجه النسائي (ص168، رقم 1214) كتاب السهو، باب التنحنح في الصلاة. وأحمد (4/25، رقم 16355).

(3) أخرجه البخاري (ص657، رقم 3905) كتاب الصلاة، باب المسجد يكون في الطريق.

(4) [الجاثية: 21]

(5) [الطور: 35-37]

(6) [الجن: 1-2]

(7)  أخرجه البخاري (ص125، رقم 773) كتاب الصلاة، باب الجهر بقراءة صلاة الفجر.

(8) [الحديد: 16]

(9) سير أعلام النبلاء للذهبي 8/ 423، تحقيق محمد نعيم العرقسوس، مؤسسة الرسالة بيروت: لبنان، ط2، 1402هـ/ 1982م.

(10) البرهان في علوم القرآن 1/ 462.



بحث عن بحث