فلسطين مرة أخرى

 

 الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونصلي، ونسلم على سيدنا ونبينا محمد، وعلى صحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فلم يكن خافياً اليوم ما يفعله اليهود في غزة في فلسطين، مما لا يحتاج إلى تصوير، فوسائل الإعلام العالمية المختلفة تتبارى في نقل الصورة الحقيقة، مما يعجز البلغاء من وصفه، شناعة، وبشاعة، من القتل والتدمير، وعمق الجراح، والجوع، والبؤس، وغير ذلك.

ومن المسلّمات في الشريعة الإسلامية، وما ندبت إليه السنة النبوية في حق الأخوة الإسلامية نذكر أنفسنا وإخواننا المسلمين في كل مكان، وفي فسلطين خاصة بعدة وقفات:-

 

الوقفة الأولى:

لا يشك مسلم أن أي بلد مسلم تقع فيه فتنة إلا ويشعر أنه جزء لا يتجزأ منه، فضلاًَ عن قضية فلسطين، وفيها المسجد الأقصى الذي جاء ذكره في القرآن الكريم، ونوهت السنة في بيان فضل الصلاة فيه، ومكانته في الإسلام معلومة، إذ هو ثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وقبلة المسلمين الأولى، فشعور المسلم بأنه جزء من عقيدة يجب إدراكها واعتقادها.

 

الوقفة الثانية:

لاشك أن ما أصاب فلسطين هو نوع من الابتلاء ليأتي بعده التمحيص والتدقيق، والمحاسبة والمراجعة، والتصويب والتصحيح، وهذه سنة الله تعالى في العباد والبلاد، قال- الله تعالى -: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، والأنبياء والمرسلون كلهم قد ابتلوا ابتلاءات شديدة من نوح - عليه السلام- إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-.

ولكن لنعلم أن العاقبة للمؤمنين، والنتيجة لأولياء الله المتقين، والثمرة للصابرين ولكن بشروط: الإيمان به، والتمسك بشرعه، والصبر على ما ابتلوا به، وعدم الخروج على حدوده، والإنصاف في التعامل مع سننه الكونية، والشرعية، وقد أخبر الله تعالى بذلك يقيناً: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )، ولا أخال أن إخواننا في فلسطين واعين كل الوعي بهذه السنة الربانية العظيمة؛ وبالذات قادتهم، فالله الله في الصبر والمصابرة، مع محاولة التصحيح للأخطاء ومراجعة النفس، والعاقبة للمتقين.

والعلم بهذه السنة الإلهية يرزق النفس الطمأنينة، والسكينة، وقوة الفال، والثقة بموعود الله تعالى ونصره.

 

الوقفة الثالثة:

لا شك أن الأسئلة تحور على لسان كل مسلم فيما يقع على أرض فلسطين من تسلط اليهود عليهم، أو من تناحر بعضهم لبعض، ومن هنا يأتي تساؤل الفرد: ما الواجب عليَّ بصفتي فرد مسلم وأنا في بلدي بعيد عن تلك الديار؟

ولعلي ألخص بعض الواجب في نقاط:

1-  الشعور بعظم ما تواجهه فلسطين من مصائب ومحن من أعدائهم، ومَنْ ناصرهم، وكذا من المنافقين، والمرجفين فيهم، غير أن هذا الشعور ينبغي ألا يطغى على واجبات الفرد الأساسية فينساها، فتختلط لديه المفاهيم والأوراق.

2-  الدعاء لهم بجمع الشمل، وتصحيح المسار، والتوفيق، والنصرة على الأعداء وأن يريهم - الله تعالى - الحق ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه، وأن يعيذهم من شر أنفسهم، وشر أعدائهم، وأن يرد كيد أعدائهم، والمتربصين بهم الدوائر في نحورهم  – وغير ذلك من الأدعية الصادقة، ويكون ذلك في الصلوات، والخلوات، وفي أوقات الإجابة، أفراداً وجماعات، والإلحاح في الدعاء.

3-  من يستطيع أن يقدم نصحاً، أو توجيهاً، أو رأياً، فيقدمه لهم بأي وسيلة من الوسائل الشرعية.

4-  تشجيع المناشط الخيرية، والإغاثية، والصحية، والتربوية، والتعليمية، والإصلاحية بقنواتها الواضحة في فلسطين ، كل بحسب مقامه واستطاعته.

5- المعونة المادية بقدر ما يستطيع الفرد، بالقنوات الواضحة الموثوقة، ولو بالقليل.

 

الوقفة الرابعة:

 كان من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- في الأزمات والمحن التمتع بالهدوء، والتفاؤل، ولعل قصة الهجرة أوضح مثال على ذلك.

وما وقع من شباب الأمة هنا وهناك في مشاكل وفتن، والتفكير بنفس مشدودة، وضيق في تناول القضايا، ويأس من الواقع ؛كل ذلك كان من أهم العوامل للانحراف غلواً أو تقصيراً. والتمعن في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - يضع لنا هذين المعلمين الأساسيين، ولعلنا نوصي بهما أنفسنا، وإخواننا في فلسطين، فلا شك أن في طيات المحن منحاً، وما جاءت هذه المحن إلا لتقوية التثبيت والتصفية، فقد ابتلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما هو أعظم ولكن العاقبة للمؤمنين.

ومن هنا فتربية النفس على التفاؤل مطلب شرعي (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، وكذا الهدوء والطمأنينة، تُجَلّي ما قد يقع على العين من غبش في الرؤية الحقّة.

ولكن هذا التفاؤل لا ينبغي أن يكون مقعداً عن العمل، واستسلاماً للواقع، فيجب أن يصاحبه العمل، والجد فيه، وبذل الأسباب الممكنة، وعلى قدر الاستطاعة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم- في جميع مواقفه.

 

الوقفة الخامسة:

 كل ما سبق من الكلام يزيد من تأكيد واجب الدول العربية والإسلامية ممثلة بمؤسساتها، وحكوماتها، وإداراتها الإغاثية، والعلمية، فتقوم بواجبها المناط بها، بحسب هذه المسؤولية، فالأمانة عظيمة، وأعانهم الله، وسدد خطاهم.

 

الوقفة السادسة:

والعالم ينظر إلى هذه المأساة، يذكرنا نحن المسلمين بضوابطنا الشريعة؛ لئلا تزلّ قدم بعد ثبوتها، ومن ذلك عمل ما يخالف الشرع، أو توجيه الناس توجها يتضمن مخالفة، أو إصدار فتاوى تتجاوز الحدود الشرعية، مثل تعدي المعركة خارج حدودها، وإشاعة مبدأ القتل والتدمير.

ومثله في المقابل إطلاق الأوصاف على الآخرين، أو على العزّل من أبناء غزة بشيء من التجاوز؛ لئلا يجر اللسان إلى ما يرديه كقول بعض الناس مقالة المنافقين في أُحد:

( لو أطاعونا ما قتلوا )، فالحذر الحذر في مثل هذه الفتن التي تعمي البصر والبصيرة، غلواً أو جفاءً، والشريعة الزموا، وحدود الله قفوا.

نسأل الله تعالى أن يفرج هم المهمومين من المسلمين أجمعين، وأن يكون لنا جميعاً مؤيداً، ومعيناً، وولياً، وظهيراً، ونصيراً، وأن يرحم موتاهم، ويشفي مرضاهم، وينولهم على عدوهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد،،،

 

سدد الله الخطى، وحقق الآمال، والله من وراء القصد

 

 

 



بحث عن بحث