بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رحمة العالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

فمن رحمة الله بخلقه ولطفه بعباده أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجه بعد الرسل، وتوج سبحانه وتعالى موكب الرسالات الإلهية والإغاثات الربانية بصفوة الأنبياء وخاتم الرسل سيدنا محمد الذي بعثه بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط الله المستقيم، فبلغ صلى الله علية وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

وكانت وسائله صلى الله علية وسلم في البلاغ والأداء متعددة ومتنوعة، وأبرزها الدعوة والتربية، يؤكد ذلك قول الله تعالى: ((يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)) [الأحزاب:45-46].

وقوله تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [آل عمران:164].

ففي هاتين الآيتين بيان لمهمة النبي صلى الله علية وسلم مع أمته، إنها الدعوة إلى الله، وركائزها: التلاوة، والتزكية (التربية)، التعليم، التبشير، الإنذار، الشهادة.

يقول أحد المفسرين معلقاً على آية الأحزاب: قد تضمنت هذه الآية كل شرائط الدعوة الصادقة، فلا بد أن يكون الداعي عالماً بدعوته، ولا بد من أن يعتمد فيها على الترغيب والتبشير والإنذار، ولابد أن تكون خالصة، ولا يشوبها شائبة، وللخير المحض، ولابد من أن يكون فيها قدوة يهتدي بهدية ويسير أتباعه على غراره، وقد جمع ذلك كله للرسول صلى الله علية وسلم على أكمل مثال.

وإذا كان الأمر كذلك فيجب على دعاة الأمة والقائمين على أمر التربية والتعليم فيها التعرف على منهاج النبي صلى الله علية وسلم في الدعوة والتربية، لأن هذا المنهج كما هو معلوم قد أخرج خير أمة أخرجت للناس، لذلك فلا بد من معرفة مميزاته من خلال دراسة نصوص الكتاب والسنة والسيرة النبوية المتضمنة لهذا الموضوع، وهذا ما سنعرض له في الصفحات التالية، تحت عنوانين:

الأول: التربية في السنة النبوية

الثاني: الدعوة في السنة النبوية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى على نعمة الإيمان به وشرف الإسلام له، ونصلي ونسلم ونبارك على خير خلقه، وصفوة رسله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد

فإن التربية هي الوسيلة الفذة لتغير المجتمع، وبناء الرجال، وتحقيق الآمال، برهان ذلك: أن أمتنا إبان القرن السابع الميلادي كانت كما هي اليوم تدور في فلك أكبر قوتين عالميتين، حتى لم تعد لها مكانة تذكر على خارطة الوجود، وقد انتقصت أطرافها من هذه القوة أو تلك، كانت أشبه ما تكون بها اليوم: جهل وفرقة، وتمزق وتشرذم، وتيه وضياع.

-في كل قرية إمارة، وفي كل مدينة دولة، لا جامع يجمعها، ولا رابط يربطها.

-تحلل في القيم، وتعفن في الأخلاق، وضلال في الفكر، وانحراف في السلوك، وهبوط في الغرائز.

-عبودية فكرية تئد العقل، وعبودية جسدية تقتل الإرادة، وعبودية نفسية تسحق الطموح.

-انحدار في الولاء من الأمة إلى القبيلة، وفي التبعية من المشرق إلى المغرب، واستشراء للبغي والظلم والقهر.

وكانت كما نحن:

-أهواء تتصارع................ وأطماع تتنازع

-جهالة تستعلي................ وعداوة تستشري

-أنانية تحكم................ وأثرة تتحكم

-فرقة تعم................. وتنابذ يغم

-خصومة تكيد................ وشعب يكابد

 يؤكد ذلك قول الله تعالى مبينًا حال الأمة قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُنْتُمْ أَعْدَاءً))، و((وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ))[سورة آل عمران: 103]، و((وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [آل عمران: 164]، و((وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ))[سورة الأنعام: 137]، و((قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)) [سورة الأنعام: 140].

 روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام: ((قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)) إلى قوله: ((قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ))" (1).

وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي واصفًا حال العرب قبل مجيء الإسلام وبعثة خير الأنام: " أيها الملك: كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا........." (2).

 وقال قتادة في نفس السياق: " كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً، وأشقاه عيشًا، وأجوعه بطونًا، وأعراه جلودًا، وأبينه ضلالاً، من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات منهم ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلاً منهم حتى جاء الله بالإسلام...." (2).

هذا كان حالهم، ولم يكن أحد على ظهر الأرض يتوقع لهذه الأمة أن تحقق خيرًا، أو أن تؤول إلى خير، أما أن تثور كما يثور البركان، وتتسلم قيادة البشرية كلها، وتمحو وجود الدول العظمى لتصبح هي العظمى، فهذا ما لم يتوقعه إلا من ألغي عقله، فكيف تم لها ذلك؟

لقد أحكمت تربية هذه الأمة أيما إحكام على يد صفوة أبنائها الذي اختاره ربه رسولاً للعالمين، وكانت البداية.... كان عليه صلى الله عليه وسلم أن يجمع أشلاء ذلك الجسد الدامي، ويلملم شعث هاتيك النفوس المتنافرة، ويحشد تلك الجهود الممزقة، ويجمع بين تلك القلوب المتباغضة، ليعيد سبك ذلك النسيج الممزق, ويصوغه صياغة نوعية متميزة متفوقة، تضيء العقل، وتشحذ الفكر، وتحيى الضمائر، وتستنهض الإرادة، وتزكي النفوس.

 

الهوامش:

 (1) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قصة زمزم وجهل العرب، رقم: (3524).

 (2) سيرة ابن هشام، 1/ 256.

 (3) تفسير ابن كثير، 2/ 300.



بحث عن بحث