المنهج الأول: منهج رفض السنة النبوية كليًّا

فكرة المنهج :

هذا المنهج أو الاتجاه يقوم على رفض السنة النبوية كليًّا وعدم الاحتجاج بها والاكتفاء بالقرآن الكريم.

وهو منهج قديم قال به بعض المعتزلة كالنظام، ويقول به اليوم فرق متنوعة كالذين يسمون بالقرآنيين نسبة إلى القرآن حيث يزعمون أنهم يتعاملون مع القرآن فقط ويرفضون الاحتجاج بالسنة النبوية، وهي تسمية لا شك في خطئها؛ لأنه من ينتسب إلى القرآن الكريم انتسابًا صحيحًا فبالضرورة ينتسب إلى السنة النبوية بدلالة القرآن كما سبق في أول البحث.

معالم هذا المنهج:

- الاكتفاء بالقرآن الكريم.

- رفض السنة النبوية.

وحجتهم في ذلك: أن القرآن جاء تبيانًا لكل شيء، فإن جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم ترد في القرآن كان ذلك معارضة من ظني الثبوت للأخبار القطعية وهي القرآن، والظني لا يقوى على معارضته القطعي.

وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا للسنة.

وهذا يرد بأن الله تعالى أوجب علينا اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا عام لمن كان في زمنه، وكل من يأتي بعده، ولا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق السنة النبوية.

وقد فقّط المعاصرون شبهة هذا الرأي:

1- بقوله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾[الأنعام: 38].

ووجه الدلالة: أن الله تعالى أودع في كتابه كل شيء ولا حاجة للسنة النبوية.

2- وبقوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[الحجر: 9].

ووجه الدلالة: أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن ولم يتكفل بحفظ السنة، ولو كانت حجة ودليلًا لتكفل الله بحفظها.

ويجاب عن وجه الدلالة الأول: بأن القرآن الكريم حوى أصول الدين وقواعد الأحكام العامة، ونص على بعضها وترك بيان بعضها الآخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحيث إن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم ليبين للناس أحكام دينهم وأوجب عليهم اتباعه، وكان بيانه للأحكام بيانًا للقرآن، ومن هنا كانت أحكام الشريعة من كتاب وسنة.

أما الثاني: فالمقصود بالذكر الكتاب والسنّة، وهكذا المراد به في النصوص الأخرى مثل قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، أي أهل العلم بدينه وشريعته، فكما حفظ القرآن فقد حفظ السنة.

هذه شبهتهم والإجابة عنها باختصار.

¡¡¡

ويتفرع عن هذا المنهج آخر وهو: من ينكر حجية جزء من السنة مثل إنكار أخبار الآحاد، فمن المعلوم أن الخبر ينقسم إلى متواتر وآحاد.

والمتواتر: ما رواه جمع عن جمع يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب من أول السند إلى منتهاه وكان مستند خبرهم الحس.

أما الآحاد: فهو رواية الواحد، وينقسم إلى ثلاثة أقسام:

المشهور: وهو ما رواه عدد أقل من المتواتر.

العزيز: وهو ما رواه اثنان.

الغريب: وهو ما رواه واحد.

والمقصود هنا أن هؤلاء لا يحتجون بخبر الآحاد في كثير من أمور الدين وبخاصة في مسائل الاعتقاد، فينكرون هذه الأخبار، وحجتهم أنها لا تفيد إلا الظنّ، والدين لا نأخذه بالظن.

وممن يتبنى هذا الأمر بعض الأشاعرة والمعتزلة، ويتبعهم بعض المعاصرين.

أما جمهور أهل السنة فهم يحتجون بكل ما صحت نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متوترًا كان أو آحادًا تعلقه بعقيدة أو عبادة أو معاملات، لكن الخلاف بينهم في إفادته الظن الغالب، أو العلم؟ على أقوال في ذلك ليس هذا مجال تفصيلها.

نتائج التعامل بهذا المنهج :

لا شكَّ أن هذا المنهج منهج منحرف يؤدي إلى نتائج خطيرة، ومنها:

1- الشك في دين الله تعالى عصمة وثبوتًا.

2- عدم تعظيم نصوص الشرع إذا حكمت فيها العقول.

3- اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه بلغ ما لا يجوز تبليغه.

4- اتهام النقلة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقلوا عنه ما لا يصح نقله.

5- التخبط والتناقض في الأحكام العملية لأنه يترتب على هذا المنهج وجود مسائل لا أحكام لها، ولا تستطيع العقول التوصل لها.

6- تقديس العقل وتقديمه على النص، ومن ثم وقوع التناقض في مسائل لا حصر لها كما هو واقع قديمًا وحديثًا.

7- تأويل الدين لكي يتفق مع ما تراه عقولهم.

8 – الشك والحيرة في كثير من المسائل لأنه لا يوجد دليل عليها.

9 – الفرقة والاختلاف والتحزب لأن العقول متفاوتة وكل يريد أن يحكم عقله ويفضله على الآخرين.

10 – تفضيل عقولهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ن، وهذا مقتضى منهجهم.

11- ردّهم لبعض الأحاديث وقبولهم لمثلها، وهذا واقع بالضرورة فيردون أحاديث في الصحيحين ويقبلون مثلها بدون ضابط.

12- اضطراب منهج الجرح والتعديل لتدخل عقولهم في هذا المنهج.

13- الاضطراب في التطبيق للسنة النبوية، فهم يرفضون أمرًا ويقرون مثله.

مثال على ذلك:

أحاديث صفات الله تعالى فقد ثبت كثير منها عن طريق السنة النبوية، فهم لا يثبتونها بدعوى كونها أحاديث آحاد بينما هناك أحاديث آحاد يحتجون بها ويعملون بها في مسائل أخرى.



بحث عن بحث