ثانيًا: أهمية السنة النبوية وحجيتها:

للسنة النبوية أهمية عظمى في دين الله تعالى مما يجعلها حجة في الاعتقاد والتشريع.

ويمكن أن تلخص هذه الأهمية بما يلي:

1 ـ أن السنة النبوية هي التفسير العملي للقرآن الكريم، وهي التطبيق الواقعي للدين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم حياته على ما ينزل من عند الله تعالى من القرآن الكريم، فيراه الصحابة فيمتثلون أمره، وإذا ما احتاجوا إلى توضيح أمر أو استفسار ما غمض عليهم بيّنه صلى الله عليه وسلم لهم كما أنه القدوة في أحواله وأفعاله، فقد تمثل القرآن الكريم بأكمله في حياته العلمية، وقد أمر الله تعالى بالأخذ بما جاء به سواء كان قولًا أو فعلًا أو تقريرًا، قال الله تعالى: âوَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا á [الحشر: 7].

وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن بمعنى أنه يتمثل القرآن الكريم في جميع شؤون حياته فلا يحيد عنه قيد أنملة.

وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع جوانبها تطبيق لهذا المبدأ، فحمل في حياته العلمية أمانة البيان وصدق التطبيق فجاءت مقررة ومؤكدة لما جاء في القرآن الكريم كالأحاديث العديدة التي تدل على فرضية، ووجوب الصلاة والصيام والحج وغيرها والأحاديث التي تحرم أكل الربا والزنا والقتل وسائر المحرمات، وتوضح المشكل من ذلك.

قال صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة كما ثبت في صحيح البخاري: «صلوا كما رأيتموني أصلي» بعد أن صلى لهم صلاة بين فيها مواقيت الصلاة وعدد ركعاتها وواجباتها، ومثله ما يرد في تفصيل فرض الصيام والحج والزكاة، وجاءت السنة مخصصة للعام من القرآن كقول الله تعالى في ميراث الأولاد والآباء والأمهات: âيُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِá [النساء: 11] فجاءت السنة بتخصيص القاتل من الأولاد ومنعته وحرمانه من الميراث كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فجاء في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم «ليس لقاتل ميراث».

وجاءت مقيدة لمطلق القرآن كتحديد قطع يد السارق في قوله تعالى:      ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] فجعلت القطع من الرسغ، وهكذا.

2- إن دراسة السنة النبوية وفهمها وتطبيقها من طاعة الله التي تضافرت النصوص القرآنية بها ـ كما سيأتي تفصيله في المبحث الآتي ـ.

فدراسة السنة طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول من طاعة الله، قال سبحانه: âمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَá [النساء: 80]. وهذه غاية وجود العباد في هذه الحياة الدنيا، فالعالم العامل بالسنة يصل إلى هذه الغاية.

3- ومن أهمية السنة أنها بينت أحكامًا لم ينص عليها القرآن الكريم كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، كما جاء في حديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» وكذلك ما جاء في تحريم الأمهات والأخوات من الرضاعة، وجاء في السنة تحريم غير الأمهات والأخوات بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب».

¡¡¡

وعلى ذلك فالسنة النبوية حجة في الشريعة ومصدر من مصادرها الأساس فهي صنو القرآن الكريم في الأهمية والحجية.

فجميع ما ذكر من الأدلة السابقة وما سيأتي سواء من القرآن الكريم أو السنة النبوية كلها تدل دلالة واضحة على حجية السنة النبوية وأنها مصدر أساس من مصادر التشريع الإسلامي وكونها أصلًا من أصول الدين تقوم به الحجة على كل مكلف، فهي والقرآن متلازمان يكمل بعضها بعضًا، ولنأخذ أمثلة من هذه الأدلة السابقة:

1 ـــ من القرآن الكريم :

  • قوله سبحانه وتعالى: âوَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواá [الحشر: 7] دليل صريح على أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مصدر قائم بذاته.

وقد قرن الله تعالى طاعته بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: âيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَá [الأنفال: 20]، وقوله: âمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَá [النساء: 80] صريح في الطاعة، وتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شؤونهم مع الطمأنينة والتسليم في قوله سبحانه: âفَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًاá [النساء: 65].

  • وقوله سبحانه في التحذير من المخالفة لما أمر الله به ورسوله:âفَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ á [النور: 63].

2 ـ من السنة :

قد ثبت أن توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين بتبليغ هديه مع وعي ما يبلغهم إياه ليؤكد أهمية السنة ومكانتها.

فعن زيد بن ثابترضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نضر الله امرءًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها، ثم ذهب بها إلى من لم يسمعها، ألا فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من أفقه منه».

وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الإعراض عن السنة بدعوى الاقتصار على القرآن الكريم، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي رافع: «لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر في أمري مما أمرت به ونهيت عنه يقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه».

وهنا إشارة أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته إنما تكون بالاتباع والسير على المنهج الذي وصفه لأمته ولا يلتفت إلى دعوى أهل الزيغ في التشكيك بسنته صلى الله عليه وسلم والعمل على حرف الأمة عن النصوص التي هي قوام هذا الدين العظيم سواءً كان بالتشكيك فيه أو بالتأويل الذي يخرجه عن حقيقته.

وسبق أيضًا حديث العرباض بن سارية: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ...» الحديث.

3 ـ الإجماع :

أجمع علماء الأمة على حجيتها واعتبارها مصدر أساس من مصادر التشريع الإسلامي، وهي حجة كالقرآن الكريم.

يقول الشافعي :: (أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس)..

ويقول ابن حزم: (ومن جاءه خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ أنه صحيح، وأن الحجة تقوم بمثله، أو قد صحح مثل ذلك الخبر في مكان آخر، ثم ترك مثله في هذا المكان لقياس، أو لقول فلان وفلان فقد خالف أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم واستحق الفتنة والعذاب الأليم).

ويقول الشوكاني: (إن ثبوت حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام).



بحث عن بحث