أعمال البر ومنها الدعاء 

2- جميع أعمال البر ومنها الدعاء على وجه الخصوص، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلا الدُّعَاءُ وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلا الْبِرُّ».

وفي  شرح هذا الحديث كلام نفيس للشيخ المباركفوري، قال رحمه الله: قَوْلُهُ: «لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلا الدُّعَاءُ» الْقَضَاءُ هُوَ الأَمْرُ الْمُقَدَّرُ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْقَضَاءِ مَا يَخَافُهُ الْعَبْدُ مِنْ نُزُولِ الْمَكْرُوهِ بِهِ وَيَتَوَقَّاهُ فَإِذَا وُفِّقَ لِلدُّعَاءِ دَفَعَهُ اللَّهُ، عَنْهُ فَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَجَازٌ عَلَى حَسَبِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُتَوَقَّى عَنْهُ, يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم  فِي الرُّقَى: «هُوَ مِنْ قَدَرِ الله». وَقَدْ أَمَرَ بِالتَّدَاوِي وَالدُّعَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَقْدُورَ كَائِنٌ لِخَفَائِهِ عَلَى النَّاسِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلـمَّا بَلَغَ عُمَرُ الشَّامَ وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بِهَا طَاعُونًا رَجَعَ, فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَتَفِرُّ مِنْ الْقَضَاءِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: لَوْ غَيْرَك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ!! نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ إِلَى قَضَاءِ اللَّهِ. أَوْ أَرَادَ بِرَدِّ الْقَضَاءِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَتَهُ تَهْوِينَهُ وَتَيْسِيرَ الأَمْرِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ, يُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ. وَقِيلَ: الدُّعَاءُ كَالتُّرْسِ وَالْبَلاءُ كَالسَّهْمِ وَالْقَضَاءُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ مُقَدَّرٌ فِي الأَزَلِ.

«وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَتُسَكَّنُ «إِلا الْبِرُّ» بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الإِحْسَانُ وَالطَّاعَةُ. قِيلَ يُزَادُ حَقِيقَةً. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ﴾ وَقَالَ: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّهُ لا يَطُولُ عُمُرُ الإِنْسَانِ وَلا يَقْصُرُ إِلا فِي كِتَابٍ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ إِنْ لَمْ يَحُجَّ فُلانٌ أَوْ يَغْزُ فَعُمُرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً, وَإِنْ حَجَّ وَغَزَا فَعُمُره سِتُّونَ سَنَةً, فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَبَلَغَ السِّتِّينَ فَقَدْ عَمَّرَ, وَإِذَا أَفْرَدَ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِهِ الأَرْبَعِينَ فَقَدْ نَقَصَ مِنْ عُمُرِهِ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ وَهُوَ السِّتُّونَ. وَذُكِرَ نَحْوُهُ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ, وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّهُ إِذَا بَرَّ لا يَضِيعُ عُمُرُهُ فَكَأَنَّهُ زَادَ. وَقِيلَ قَدَّرَ أَعْمَالَ الْبِرِّ سَبَبًا لِطُولِ الْعُمُرِ كَمَا قَدَّرَ الدُّعَاءَ سَبَبًا لِرَدِّ الْبَلاءِ. فَالدُّعَاءُ لِلْوَالِدَيْنِ وَبَقِيَّةِ الأَرْحَامِ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُبَارَكُ لَهُ فِي عُمُرِهِ فَيُيَسِّرُ لَهُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ مِن الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا لا يَتَيَسَّرُ لِغَيْرِهِ مِن الْعَمَلِ الْكَثِيرِ، فَالزِّيَادَةُ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الآجَالِ الزِّيَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: اِعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَلِمَ أَنَّ زَيْدًا يَمُوتُ سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ, اِسْتَحَالَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا, فَاسْتَحَالَ أَنْ تَكُونَ الآجَالُ الَّتِي عَلَيْهَا عِلْمُ اللَّهِ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ, فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ وُكِّلَ بِقَبْضِ الأَرْوَاحِ وَأَمَرَهُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ آجَالٍ مَحْدُودَةٍ, فَإِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ أَوْ يُثْبِتَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ يَنْقُصُ مِنْهُ أَوْ يَزِيدُ عَلَى مَا سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ, وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39] وَعَلَى مَا ذُكِرَ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 2] فَالإِشَارَةُ بِالأَجَلِ الأَوَّلِ إِلَى مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَا عِنْدَ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ, وَبِالأَجَلِ الثَّانِي إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [يونس: 49]. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَضَاءَ الْمُعَلَّقَ يَتَغَيَّرُ, وَأَمَّا الْقَضَاءُ الْمُبْرَمُ فَلا يُبَدَّلُ وَلا يُغَيَّرُ، اِنْتَهَى. 



بحث عن بحث