شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله السراج المنير والبشير النذير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن على نهجهم يسير، أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى والزموا طاعته، واجتنبوا نواهيه تفلحوا في الدنيا والآخرة.

أيها المسلمون: إن أعظم كلمة يقولها الإنسان ويعمل بمقتضاها في هذه الحياة فترفعه في أعلى عليين، وإن جحدها أو استنكرها أو لم يؤمن بها كان في أسفل سافلين هي كلمة التوحيد، وقد قرنت الشهادة بها بالشهادة بأن محمدا رسول الله؛ ولذا جاءت النصوص العظيمة في قرن هاتين الشهادتين، وقررت بعض الأحكام في قرن هاتين الشهادتين فلا تكمل شهادة إلا بالأخرى، جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجموعة من أصحابه فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا».

وفيما جاء في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان».

ولعظم اقترانهما، وأن الإنسان لا يفلح في هذه الدنيا ولا في الآخرة إلا بأن يأتي بهما جميعا؛ ولذا قرنت في بعض الأحكام ففي الأذان يشهد المؤذن ويعلي صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وفي الصلاة جُعل ركن من أركان الصلاة التشهد بهاتين الشهادتين، ولا تصح صلاة بدونهما.

هكذا قرنت هاتان الشهادتان لعظمهما، فالأولى تقرر التوحيد والعبودية لله سبحانه وتعالى، وأن العبادة الحقة لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى، وعلى العبد أن يجرد أعماله وأقواله وتصرفاته وسلوكه كله لله سبحانه وتعالى، والشهادة الثانية تقرر أن العبد لا يعمل في هذه الحياة الدنيا إلا بمقتضى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون: محمد عليه الصلاة والسلام رسول من عند الله، يقول جل وعلا: ) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم([آل عمران: 144]. وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، لا نبي بعده عليه الصلاة والسلام، ورسالته خاتمة الرسالات لا رسالة بعدها فنسخت جميع الرسالات كلها، ولذلك كان آخر ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم: ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا([المائدة: 3].

فإذا شهد المسلم بأن محمدا رسول الله مقتضى ذلك أن يؤمن بذلك تمام الإيمان، ويصدق بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما صح سنده تمام التصديق لا يحيد عنه قيد شعرة، ولذا قرر ربنا جل وعلا: ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا([الأحزاب: 36].

فمن مقتضى شهادة أن محمد رسول الله العمل بما جاء به، وطاعته عليه الصلاة والسلام، وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه عليه الصلاة والسلام، هكذا النص الصحيح ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( [الحشر: 7]، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».

أيها المسلمون: ومن مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله الحذر تمام الحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام سواء كانت هذه المخالفة بجحدان أمر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو الإقرار عما جاء به لكن يخالفه عنادا واستكبارا. يقول جل وعلا: ) فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم([النور: 63] هكذا يحذر ربنا جل وعلا من مخالفته ومخالفة رسوله ومخالفة حكمه سبحانه وتعالى.

أيها المسلمون: ومن مقتضى هذه الشهادة أن لا يعبد الله جل وعلا إلا بما شرع رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله سبحانه وتعالى أرسله بهذه الرسالة وأمره أن يبلغ هذه الرسالة ) إن عليك إلا البلاغ( [الشورى: 48]، وقال: ) قم فأنذر([المدثر: 2]؛ ولذلك حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعبد الله سبحانه وتعالى بخلاف ما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أي مردود على صاحبه.

فالإنسان بشهادة أن لا إله إلا الله يخلص العبودية لله جل وعلا، وبشهادة أن محمدا رسول الله يعبد الله بما شرع رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه بلغ ما جاء عن الله سبحانه وتعالى.

  ولذا قال أهل العلم: إن العبادات لله سبحانه وتعالى توقيفية يعني لا نعبد ربنا إلا بما جاء به النص من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لم نصلي خمس صلوات؟، ولم نتوضأ بهذه الكيفية؟، ولم تصلى هذه الصلوات في هذه الأوقات؟، ولم كانت هذه الصلوات أربع ركعات؟، ولم يدفع في الزكاة نسبة مقررة؟ ولم يحج إلى بيت الله الحرام بكيفية معينة؟ لأن هذا كله جاءنا عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن زاد على ذلك أو نقص فقد خالف مقتضى هذه الشهادة وحاد عنها، وهو على خطر عظيم بحسب نوع هذه المخالفة.

أيها المسلمون: ومن مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نحبه أشد مما نحب أنفسنا ووالدينا وأولادنا وأسرنا كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين». نحبه المحبة الحقيقة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم به أُخرج الناس من الظلمات إلى النور، به دلت الأمة طريق الحق المستقيم، بأبي وأمي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن مقتضى ذلك العمل بسنته ونشرها والدفاع عنه وعن سنته صلى الله عليه وسلم، هذه هي مقتضيات شهادة أن محمدًا رسول الله إذا قالها الإنسان محققًا لها قولا وفعلا وقلبًا وهذا هو الذي يفوز يوم القيامة.

جعلني الله وإياكم من أتباعه، ومن المحققين لهاتين الشهادتين، وأن يعيننا على ذلك، وأن يحيينا على ذلك، وأن يميتنا على ذلك، وأن يبعثنا على ذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

!  !!

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولاعدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله: وعلى مدار التاريخ منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلمإلى يومنا هذا توجد مخالفات عظيمة في مقتضى هذه الشهادة سواء كان ممن يدعي الشهادة بها أو لا يدعيه؛ فأما من لا يشهد أن محمدا رسول الله فهذا مفروغ في شأنه، وأخبر الله عنه بأن الذين كفروا هم من أهل جهنم والعياذ بالله، أما من يشهد أن محمدا رسول الله فقد وقعوا في مخالفات عظيمة تخرج صاحبها من الملة والعياذ بالله كمن يجحد ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقول رسول الله حدّث بأحاديث كانت لزمنه عليه الصلاة والسلام أما أنا فأعبد الله بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله على أصل الملة ولا أعترف بهذه الأحاديث.

ومنهم من يجحد جزءا منها لأنها لا تتفق في زعمه مع عقله وهواه ولأنها ليست على مقتضى عصره وهؤلاء كُثُر وعلى خطر عظيم كمن يجحد بعض الأحاديث أو يتهم بعض الصحابة أو التابعين بأنهم كذبوا في النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو زادوا أو نقصوا أو ما إلى ذلك، وقد اتفقت الأمة على جزء كبير مما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحته والعمل به وتواتر عمل الأمة بذلك كالعمل بما جاء في صحيحي البخاري ومسلم، والعمل بمقتضى ما جاء في السنن بأكثره، وبما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويشهد العالم أجمعه قديما وحديثا بأنه لم يحقق ولم يدقق لأي شخصية كانت، ولا لأي نبي، ولا لأي كتاب أنزل مثلما حُقق بما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل عجزت الحاسبات الآلية الآن أن تحصي ما عمله أئمة الإسلام وأئمة الحديث تجاه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان الصحيح منها والضعيف، وبيان الموضوع والمكذوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالنا بنابتة تنبت بين الفينة والأخرى لتكبر عقلها الصغير ولتنفخ نفسها بأنها لا تعترف بصحة حديث ما وقد ثبتت صحته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاء عن الأئمة جيلا عن جيل.

وأعداء الإسلام قديمًا وحديثًا يذكون هذه النعرة منذ القرون الأولى إلى يومنا هذا.

أيها المسلمون: إن الموفق في هذه الدنيا أن يقف على ما وقف عليه الجيل الأول من الصحابة والتابعين والقرون الأولى كما قال صلى الله عليه وسلم: « خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون اقوام يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولايؤتمنون». فعلى المسلم أن يقتفي أثر السلف الصالح من بعده صلى الله عليه وسلم الذين وقفوا على هذه الأحاديث وعملوا بها كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة».

أيها المسلمون: ومن المخالفات لمقتضى هذه الشهادة التساهل بالعمل فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان في العبادات المباشرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها أو بمقتضى المعاملات المالية أو تأويل النصوص فيها بأن هذا لم يكن على ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم. فالأمر جد خطير فما دمنا نشهد الشهادتين علينا أن نحقق ذلك في جميع شؤون حياتنا اليومية والأسبوعية والشهرية والعمرية حتى نلقى الله على ذلك فلا يعبد الله إلا بما جاء عن رسول الله، لا يعبد بالهوى ولا بتحكيم العقول ولا بالأعراف والتقاليد ولا بالمزاج ولا بالرغبات ولا بما يريده الإنسان.

فاتقوا الله عباد الله واعملوا بمقتضى شهادة أن محمدا رسول الله بكثرة الصلاة والتسليم عليه كما أمركم الله جل وعلا في محكم كتابه: ) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما([الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم ونهج نهجهم في جميع شؤون حياته إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.



بحث عن بحث