كلمة التوحيد

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلقنا لعبادته وأوجدنا لطاعته، أحمده سبحانه وأشكره على أن جعلنا من أتباع ملته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعلى جميع من اتبع سنته، أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

أيها المسلمون: كلمة عظيمة خُلق الخَلق من أجلها ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون( [الذاريات: 56] وأرسلت من أجلها الرسل وأنزلت الكتب لتحقيقها وبيانها، ومطالبة العباد بالعمل بها ) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت([النحل: 36].

وهي دعوة الرسل التي يؤرثونها لمن بعدهم في الدعوة إليها. جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن داعيًا ومبشرا ومفتيا وقاضيا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله».

أيها المسلمون: هذه الكلمة هي التي أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتل الناس عليها « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله».

وهي التي يجب أن يتعلمها المسلم، بل يجب أن يتعلمها الإنسان أول ما يتعلم. يقول جل وعلا: ) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم([محمد: 19].

والتلفظ بها عند الموت أفضل خاتمة يختم بها للإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام: « من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ».

أيها المسلمون: هذه الكلمة هي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.

(لا إله إلا الله) تعني أن ينفي الإنسان جميع المعبودات عن عباداتها إلا ربًا واحدا وإلهًا واحدا )هو الله الذي لا إله إلا هو( [الحشر: 22]سبحانه وتعالى، سواء كانت المعبودات أمورا حسية كالأصنام والأوثان، والسموات والأرض، والشمس والقمر، والبحار والأشجار، أو غيرها من المعبودات المعنوية كاتباع الهوى والمزاج وغيرها.

 مقتضى هذه الكلمة أن يتوجه العبد بكليته إلى الله في جميع أقواله وأعماله سواءا كانت عبادات مباشرة أو غير مباشرة ) قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين([الأنعام: 162- 163]. فيسخر حياته كلها لله جل وعلا، فإذا صلى يصلي منطلقًا من ( لا إله إلا الله)، وإذا زكى كانت زكاته لله سبحانه وتعالى، وهكذا إذا صام وإذا حج أو اعتمر، وإذا فعل سائر الواجبات والأعمال.

فعلى المسلم أن تكون أعماله كلها لله، فلا يستعين بشجر ولا حجر ولا ضريح، ولا ملك ولا ولي مقرب ولا نبي مرسل، ولا غير ذلك من العباد والمخلوقات كلها، فالله قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه.

ولما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « أي عم، قل: لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله »، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك»، فنزلت: ﴿ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى، من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم﴾[التوبة: 113].

فهذا يقتضي من العبد إذا قال: لا إله إلا الله، بأن يتوجه بجميع أموره كلها لله سبحانه وتعالى، ومن هنا يفهم أبو طالب كما يفهم أبو جهل وغيره معنى كلمة
(لا إله إلا الله) لأنه يقتضي أن يتركوا جميع المعبودات من الأصنام وغيرها، فلا يعبدون إلا ربًا واحدا سبحانه وتعالى.

أيها المسلمون: هذه الكلمة هي أصل الدين وأساسه وهي العروة الوثقى، يقول جل وعلا: ) لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم( [البقرة: 256].

هذه الكلمة هي الحسنى الذي قال الله سبحانه وتعالى عنها: ) فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى( [الليل: 5-6 ] وهي التي لصاحبها الجزاء الأوفى.

أيها المسلمون: هذه الكلمة هي القول الثابت التي يثبت الله بها المؤمنين عند ملاقاته سبحانه ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة([إبراهيم: 27]، يثبت الله المؤمنين عند مغادرة هذه الدنيا فيتلفظون بهذه الكلمة: (لا إله إلا الله) فتجب لهم الجنة ويزحزحون عن النار فيحصل هذا الفضل العظيم لمن حققها في حياته.

أيها المسلمون: هذه الكلمة هي أفضل ما ذُكر الله به على وجه الإطلاق، وأثقل شيء في الميزان.

عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به، قال: يا موسى: لا إله إلا الله، قال موسى: يا رب: كل عبادك يقول هذا، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا أنت، إنما أريد شيئا تخصني به، قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ». الله أكبر كلمة واحدة إذا حققها الإنسان وحيا عليها وجعل حياته عليها ومات عليها ثقلت في الميزان وسعد صاحبها.

هذه الكلمة أمان لصاحبها من عذاب القبر ووحشته، يقول عليه الصلاة والسلام: « ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم».

فهل بعد هذا عباد الله يُغْفل المسلم هذه الكلمة من قولها أو من العمل بها وبمقتضاها، وحينئذ إذا عملها حقق أعظم شعب الإيمان وأعلاها، يقول عليه الصلاة والسلام: « الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».

فلا إله إلا الله مرتبطة بأصغر عمل في نظر الإنسان وهو إماطة الأذى ومرتبطة أيضا بأعمال القلوب التي تظهر على الجوارح ومنها الحياء.

فعلى المسلم أن يحققها، وأن يتنبه لها، وأن يستشعرها، وأن يعمل بمقتضاها في حياته صادقًا من قوله مخلصًا لله سبحانه وتعالى.

أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله، وأن يحيينا على لا إله إلا الله، وأن يميتنا على لا إله إلا الله، وأن تصحبنا في قبورنا لا إله إلا الله، وأن يحشرنا مع أهل لا إله إلا الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

!  !!

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله: نحمد الله جل وعلا أن بعثنا وخلقنا وجعلنا من أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، أن جعلنا من أهل هذه الملة، ومن أتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فنسأل الله جل وعلا أن يحيينا على ذلك ويميتنا عليه ويبعثنا عليه.

أيها المسلمون: في سجلات حياتنا وفي سلوكنا ما يعارض لا إله إلا الله بقصد أو بغير قصد، بضعف أو بفتور أو بنسيان أو بتناسي أو بتغافل.

أيها المسلمون: من عبد غير الله فهذا واضح تمام الوضوح بأنه ليس من أهل لا إله إلا الله، لكن كثيرا من المسلمين يتوجهون عند توسلاتهم ودعواتهم ورجائهم وخوفهم إلى من في قبورهم، يدعون ضريحًا أو وليًا أو غير ذلك يزعمون أنه واسطة بينهم وبين الله، والله جل وعلا نفى الواسطة كلها وأخبر عن نفسه جل وعلا بأنه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه، يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، يسمع الأنين، ويعلم ما في الصدور سبحانه وتعالى، فلم رجاء غير الله؟، ولم دعوة غير الله؟ ولم الخوف من غير الله؟، ومن ثم فلم المحبة لغير الله، ولم الرحمة من أجل غير الله ؟

أيها المسلمون: وفي سلوكاتنا كثير من المخالفات أيضًا فمن نقر صلاته نقر الغراب، أو يمن تهاون بها، أو من أخرها عن وقتها فهذا قدح في لا إله إلا الله وهو على خطر عظيم بأن يخرج من هذه الدائرة والعياذ بالله.

وهكذا من زكى من أجل فلان، أو تقرب من أجل فلان، أو عمل صالحًا من أجل فلان أو علان، وهكذا عباد الله من اتبع هواه واتبع غير سبيل المؤمنين وادعى أنه لله سبحانه وسلوكه يخالف ذلك بأن اتبع هواه أو رضي بتحكيم غير شرع الله كل هذا على خطر عظيم بأن يخرج من أهل هذه الدائرة والعياذ بالله.

أيها المسلمون: الأمر جد خطير، فعلى الإنسان أن يعمل على أن يحيي في قلبه لا إله إلا الله، ويتوجه بعباداته القلبية كلها لله سبحانه، فلا يستعين إلا بالله، لا يستغيث إلا بالله، لا يرجو إلا الله، لا يدعو إلا الله، لا يخاف إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يخلص عبادته إلا لله، ولا يصبر إلا من أجل الله، ولا يرضى بقضاء الله وقدره إلا من أجل الله، وكذا يتوجه بعباداته السلوكية من الصلاة وغيرها لله سبحانه وتعالى، فإذا نام نام على لا إله إلا الله ذاكرا الله جل وعلا، وإذا استيقظ دعا الله سبحانه وتعالى، هكذا يعيش المؤمن حتى يلقى الله على لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله.

ثم صلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم الله جل وعلا في محكم كتابه العزيز حيث قال: ) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما([الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

!!!



بحث عن بحث