القاعدة الخامسة

التدرج في التربية

r   مدخـل:

ومن وسائل المنهج التربوي وأساليبه في الهدي النبوي التدرج في التوجيه والإرشاد والتربية كما هو التدرج في أحكام التشريع من الحلال والحرام، وكذلك التدرج في المجال الدعوي، وغيره من المجالات. ونفصل في هذه القاعدة وفق الآتي:

r   أولاً: من صور التدرج في التربية:

1 - كان نزول القرآن بالتدريج حسب الأحوال والظروف، ولم ينزل القرآن جملة واحدة، تفاديًا للمشقة على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة ن، ومن جانب آخر فإن التدرج يساعد في فهم التشريع وتطبيق أحكامه بصورة أكبر ما لو كان ذلك دفعة واحدة، يقول الله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ .

- وجاء في قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾، ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أنه قال: الربانيون هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره». وهو نوع من التدرج الذي يبدأ من صغار العلم إلى كباره.

2 - وقد انتهج النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب التدرج في التربية والدعوة، وتبين ذلك جليًا في وصيته لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، حيث قال له: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فتُرد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».

فالمراحل التي يوصي بها النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ متدرجة من حيث الأولوية من جهة، ومن حيث مدى قبولهم من جهة أخرى، حيث يفصل بين كل مرحلة ومرحلة قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن هم أطاعوا لذلك» بمعنى إذا استجابوا لهذا الأمر ولم يجدوا حرجًا في ذلك فأخبرهم بالأمر الذي يليه وهكذا.

3 - ومن صور التدرج أيضًا في الهدي النبوي أن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على التيسير والتبشير وذمّ التعسير والتنفير فقال: «يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا»، وقد علّق عليه ابن حجر : بقوله: «المراد تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدرج، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حبب إلى من يدخل فيه، وتلقاه بانبساط، وكانت عاقبته غالبًا الازدياد».

فمن التيسير والتسهيل على الناس أن يبدأ المربي والداعية والمعلم معهم بالتدرج في الأمور السهلة والبسيطة بالنسبة للتعليم والتربية والدعوة وغيرها، حتى لا يملّوا أو ينفروا من الدين، لأن أمرهم الواجبات الشرعية دفعة واحدة يؤدي إلى النفور والملل من جميع ما يسمعونه أو يتلقونه.



بحث عن بحث