الوقفة الثانية:

تعظيم الوقت

عظّم الله تعالى شأن الوقت والزمن، لأهميته في الحياة، ودوره الكبير في نهضة الإنسان ورقيه، وأداء رسالة الاستخلاف على الأرض، في العبادة، ونشر الخير، والإحسان إلى الناس، وردّ الحقوق، ومنع الظلم وغيرها من الأعمال الصالحة.

ومن أهم معالم تعظيم الوقت في الإسلام وعلوّ مكانته في الحياة ما يلي:

1 ـ إقسام الله تعالى بالزمن والوقت في مواطن كثيرة في كتابه المبين، كما في قوله تعالى: âوَالْفَجْرِ ﴿1 وَلَيَالٍ عَشْرٍ á ، وقوله تعالى: âوَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿1 وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴿2 وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴿3 وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴿4á، وقوله جل شأنه: âوَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴿1 وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى á، وقوله جل وعلا: âوَالْعَصْرِ ﴿1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ á .

وفي إقسام الله تعالى ببعض مخلوقاته إشارة إلى الآيات الكامنة فيها من جهة، وأهميتها في الحياة من جهة أخرى.

2 ـ بيان ندم النادمين الذين فرّطوا بنعمة الوقت فأهدروها في سفاسف الأمور، وفي الملهيات والشهوات، وتمني هؤلاء النادمين أن يرجعوا إلى حياة الصحة والعافية والشباب والقوة من جديد ليعطوا للوقت قيمته ويستغلوه فيما يرضي الله، ويصلح العباد، ولكن أنّا لهم ذلك، وقد سنّ الله سنته ألا يرجع الزمن إلى الوراء، قال الله تعالى: âحَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿99 لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ á .

3 ـ ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال بخصوص الوقت وقيمته، دليل على أهميته في الحياة، وقد توالت الأحاديث النبوية في ذكر نعمة الوقت والزمن، ووجوب استثماره واستغلاله في معالي الأمور، قبل حلول الموت وتوقف الأعمال، ومن هذه الأحاديث:

أ ـ قوله عليه الصلاة والسلام: «بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة».

ب ـ قوله عليه الصلاة والسلام لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».

ج ـ قوله عليه الصلاة والسلام: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».

د ـ قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».

هـ ـ قال عبد الله بن عمر م: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك».

4 ـ ومن معالم تعظيم الوقت وقيمته تنظيم الشرع للعبادات وتوزيعها وفق أوقات زمنية معينة:

أ ـ التوقيت اليومي: فقد نظّم الشرع وقت الصلاة في اليوم والليلة على خمس فترات، خُصص لكل صلاة وقت محدد ينتهي مع بداية دخول الوقت لصلاة أخرى، قال الله تعالى: âإِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا á.

ب ـ التوقيت الأسبوعي: فقد جعل الله تعالى أداء فريضة الجمعة بالأسبوع مرة واحدة، حيث تقام خطبة الجمعة وأداء صلاتها جماعة.

ج ـ التوقيت السنوي: وهو حال فريضة الصيام التي جعلها الله في شهر رمضان من كل عام، قال الله تعالى: âشَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَá.

د ـ التوقيت العمري: كما في عبادة الحج، التي فرضها الله على المقتدرين في العمر مرة واحدة، قال الله تعالى: âوَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ á، وقال جل شأنه: âالْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ á .



بحث عن بحث