القاعدة الثانية: الاستعانة بالله جل وعلا

إن الاستعانة بالله تعالى تعني أمورًا كثيرة تتعلق بتصور الإنسان وأفعاله اليومية، ومن أهمها:

1ـ طلب العون من الله وحده قبل البدء بأي عمل أو نشاط أو حركة، لأنه الأصل في نجاح الإدارة والتنظيم، وما يتلو ذلك من أمور فهي أسباب وعلل لا تغني شيئًا أمام مشيئة الله وإرادته في تصريف الأمور إلى النجاح أو إلى الفشل، وقد حثّ الله تعالى عباده الأخذ بهذا المبدأ العظيم في الحياة، وجعله مناط فلاحه وتوفيقه في الدارين، بل إنه جل وعلا جعل طلب العون من الأدعية الملازمة لكل صلاة أثناء قراءة الفاتحة، قال الله تعالى: âإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُá، حيث ربط الله بين عمل الإنسان المتمثل بعبادته بصورة عامة، وبين الاستعانة به جل وعلا، وهو رباط وثيق ينبغي الحفاظ عليه وتطبيقه لضمان سلامة العلم والإدارة والتنظيم في الحياة.

كما شرّع الإسلام صلاة الاستخارة كنوع من الاستعانة بالله تعالى حين يُقبل الإنسان على عمل أو سفر أو زواج، قال جابر بن عبد الله م: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني قال ويسمى حاجته».

2 ـ الأخذ بالأسباب في العمل والحركة من أجل نجاح الإدارة وتحقيق الأهداف، وهو جزء من الاستعانة الحقيقية بالله، لأن الاستعانة بالقول فحسب، دون العمل والحركة هي من التواكل المنهي عنه، وقد تعددت الآيات القرآنية الكريمة من أجل ترسيخ مفهوم العمل عند المؤمن، فقال الله تعالى: âهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ á، وقال أيضًا: âوَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ á.

بل إن الله لم يترك قضية الإيمان به مجردة لتحقيق الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وإنما جعلها مقرونة وملازمة بالعمل الصالح، كما في قوله تعالى: âوَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ á، وقوله جل شأنه: âإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ á .

3 ـ النهي عن الشرك وأسبابه والطرق المؤدية إليه، كاللجوء إلى الكواكب أو السحرة أو المشعوذين عند الحاجة أو المرض، أو عند العجز والفشل في الحياة، وهؤلاء مخلوقات ضعيفة لا تستطيع ردّ الضرّ والأذى عن ذاتها، فكيف بها أن تنفع أو تجلب الخير والتوفيق للآخرين، قال الله تعالى:  âقُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا á.

وقد صوّر الله حال المشرك الذي يترك خالقه القوي العظيم، ويتعلّق بالإنسان الضعيف أو الحجر الأصم، أو السحر وغيره، كحال من يسقط من السماء على الأرض سقوطًا عنيفًا، فتخطف الطير أعضاءه وأشلاءه، أو تأخذه الريح وتقذفه إلى مكان بعيد وسحيق، حيث لا ناصر له ولا معين، حيث قال: âحُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ á .

فمن أراد أن ينجح في إدارة الحياة، ويحقق الأهداف المنشودة والطموحات العظيمة، عليه اللجوء إلى الله وحده، بطلب العون ومدّه بأسباب التوفيق والنجاح، وإن نسيان هذا الأمر سيجعله متكئًا على نفسه، ومن ثَمّ تكثر حركته دون نتاج.

فاستعن بالله ولا تعجز.



بحث عن بحث