الموضوع الثامن عشر:

الأخوة في الدين والنهي عن القطيعة بين المسلمين

عن أبي هريرة رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إِيَّاكُمْ والظَّنَّ فإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْـحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وكُونُوا إِخْوَانًا».

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه  يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَرَى المؤمنينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وتَوَادِّهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْـحُمَّى».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرَكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيه ما تُقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَـمْ يَكُنْ فِيه فَقَدْ بَهَتَّهُ».

وعن معاوية رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بأَمْرِ الله لا يضرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ ظَاهِرُون عَلَى النَّاسِ».

©  أهمية الأحاديث:

هذه الأحاديث تتعلق بمبدأ عظيم حرص عليه الإسلام، ورسخ قواعده ووجه إلى تطبيقها، تلكم هي علاقة المسلم بأخيه المسلم، القائمة على الأخوة في الدين، وعلى الرحمة والمودة والمحبة، وعدم تعريضها لما يخدشها أو يقطعها أو يؤثر عليها تأثيرًا سلبيًّا.

©  مسائل الأحاديث:

من المعلوم من الدين بالضرورة أن الإسلام أقام تشريعًا متكاملًا شاملًا يلبي حاجات الإنسان ومتطلباته، وينظم علاقاته بالله تعالى وعلاقاته مع الناس.

والعلاقة مع الناس قائمة على أساس ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال. بمعنى أنها قائمة لله تعالى وفي الله.

أ – شجع الإسلام تشجيعًا منقطع النظير على أهمية الأخوة في الدين والمحبة والمودة فيما بينهم كما في حديث النعمان بن بشير م، وقد تضافرت النصوص القرآنية والنبوية على ترسيخ هذا المفهوم الكبير قولًا وفعلًا، ومن ذلكم قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]. وقوله تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]. وقوله تعالى مخاطبًا رسوله: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجرات: 88].

ومن النصوص النبوية ما رواه أبو موسى رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المؤمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وشبك بين أصابعه.

قال القرطبي رحمه الله : «هذا تمثيل يفيد الحض على معاونة المؤمن للمؤمن ونصرته، وأن ذلك أمر متأكد لابد منه، فإن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضًا ويقويه، وإن لم يكن ذلك انحلت أجزاؤه، وخرب بناؤه، وكذلك المؤمن لا يستقر بأمر دنياه ودينه إلا بمعاونة أخيه ومعاضدته ومناصرته، فإن لم يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصالحه، وعن مقاومة مضاره، فحينئذٍ لا يتم له نظام دنياه ولا دينه، ويلحق بالهالكين».

عن ابن عمر م أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «الـمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيه كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وروى أنس رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه  أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وكُونُوا عِبَادَ الله إخوانًا الـمُسلمُ أخُو المسلم لا يَظْلِمُهُ ولا يخذله ولا يحقرُهُ التَّقْوَى هاهنا ويُشير إلى صدره ثلاثَ مراتٍ بحسبِ امرئ من الشرِّ أن يحقرَ أخاهُ المسلمَ كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ دمُهُ ومالُهُ وعرضُهُ».

أ- وقد أكد القدوة صلى الله عليه وسلم  عمليًّا هذا المبدأ العظيم وتمثله في حياته مع صحابته وسار أمته فعن عائشة رضي الله عنها   قالت: «إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم  ليَدَعُ العمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أنْ يَعْمَلَ»، كل ذلك رأفة بالناس وشفقة عليهم، وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه  أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنِّي لأقومُ إِلَى الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيْهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّه».

ب- ولعظم هذا المبدأ جعله الرسول صلى الله عليه وسلم  من المبادئ التي أقام عليها مجتمع المدينة عندما هاجر إليها، فآخى بين المهاجرين والأنصار، حتى وصل الأمر إلى درجة أن يتنازل الأنصاري لأخيه المهاجري عن شطر ماله أو بعضه، وأن يطق إحدى زوجاته لكي يتزوجها، فأنزل الله فيهم: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9].

مع ترسيخ هذا المبدأ حذَّر الإسلام من كل ما يقطع هذه الأخوة أو يخدشها صغيرًا كان أو كبيرًا. فجاءت النصوص العظيمة في التحذير من تلك الآفات الخطيرة التي تؤثر على هذا المبدأ مثل: الظن الكاذب، الغيبة، النميمة، البهتان، السباب والشتائم، والحسد والحقد والبغضاء وغيرها...

أ – ففي التحذير من الظن الكاذب ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

ب- وفي التحذير من الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره كأن تصفه بأوصاف مشينة، أو تخدش عرضه، أو تبين عيبًا فيه لا داعي لذكره ولو بالإشارة أو التلميح، وقد جاء في التحذير منها خاصة نصوص كثيرة منها قوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12]. ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها   أنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفيّة كذا وكذا قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ قُلْتَ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَـمَزَجَتْه».

ولا شك أن الغيبة باب من أبواب فساد العلاقات وتخريبها، وتجر من المفاسد الأخرى أمورًا كثيرة كإشاعة المعايب، وخدش الأعراض، وتعرض الألسنة للكلام البذيء وغيرها.

ج- وفي التحذير من السباب والشتائم، ما رواه الشيخان عن أبي زيد ثابت بن الضحاك رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «لَعْنُ الْـمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» وروى الترمذي وغيره بإسناد حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه  أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ الْـمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ».

د- وفي النهي عن الحسد والحقد والبغضاء الأحاديث الكثيرة، ومنها ما سقناه في الفقرة  الثانية.

والخلاصة أن كل ما يعرض الأخوة الإسلامية والمحبة والمودة والصفاء للقطيعة أو التعكير فقد حذر منه الإسلام ونفر منه، ورتب عليه العقوبة.

إن التعامل بالأخوة الإسلامية والبُعد عمَّا يشينها أو يقطعها يورث آثارًا حميدة جليلة في الدنيا والآخرة، فتصفوا العلاقات بين الناس، وتعمر الأرض بالخيرات، ويتجه الناس إلى البناء والتعمير، وتقوى الروابط الودية، ويشيع الخير، ويقل الشر.

بالإضافة إلى ما أعدّه الله سبحانه للمتحابين فيه من نور يوم القيامة، ومحبة الله لهم، روى أنس رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ أَنْ يكونَ الله ورسُولُهُ أحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا وأَنْ يُحبَّ المرء لا يحِبُّهُ إلا لله وأن يكرهَ أَنْ يَعُوْدَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يكره أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ».

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الله يقول يوم القيامة: أَيْنَ الْـمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوم أُظِلّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلِّي». وغير ذلك مما لا يخفى من النصوص.



بحث عن بحث