الوقفة الرابعة

معالم التوحيد في الحج

فإن من فضل الله رضي الله عنه بحانه على هذه الأمة المحمدية أن جعل التكاليف الشرعية منطلقة من منطلقات يقينية ثابتة، ومنها الحج إلى بيت الله الحرام، إذا تأملنا في أعمال هذه الشعيرة العظيمة والأقوال التي تقال فيها وجدنا أن هناك رابطًا عظيمًا بين التوحيد ونفي الشرك وبين الحج، مثل قوله تعالى: âوَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ á [الحج: 26].

وفيما يلي أذكر بعض المعالم وكل معلم يظهر معنى من المعاني في الحج ودلالته على توحيد الله تعالى:

المعلم الأول: الحج حقيقته وتاريخه:

الحج من أركان الإسلام، فرض على الناس منذ عهد أبينا إبراهيم عليه السلام، ولكن بعد فترة خلطوا هذه العبادة بطقوس شركية حتى أقاموا في بيت الله أصنامًا وتماثيل يتوجهون بالدعاء والتوسل إليها، حتى طهّر رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت الحرام من أرجاس الأوثان، وكثير من أفعال الحج تتمركز في البيت الحرام الذي هو أول بيت وضع لعبادة الله وحده، وهناك أماكن أخرى يمر عليها الحاج في حجه من الصفا والمروة ومنى والمزدلفة وعرفات كلها مواضع لتوحيد الله تعالى وإقامة ذكره بعيدًا عن الشركيات.

المعلم الثاني: التوحيد في تشريع الحج:

يتجلى توحيد الله رضي الله عنه بحانه في كل شعائر الإسلام وفرائضه، إلا أنه يبدو أكثر جلاء في الحج، حيث لا يخلو نسك أو ركن منه إلا وفيه علامة أو إشارة إلى توحيد الخالق جل وعلا قولًا أو عملًا، بل الأساس الذي بنى عليه بيت الله الحرام هو أساس التوحيد ونبذ الشرك بكافة صورة وأشكاله، ولذا قال جل شأنه مخاطبًا نبيه إبراهيم عليه السلام: âوَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِá [الحج: 26]، بل تعدى هذا الأمر وجاء أمر الله عز وجل أن لا يدخل هذا البيت مشرك، بل لا يبقى في جزيرة العرب كلها مشرك، قال تعالى: â يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌá [التوبة : 28]، فالإعلان لفرضية الحج كان قائمًا على توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له، من يوم أن بنى البيت إلى أن بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم.

المعلم الثالث: التوحيد وفضائل الحج:

لقد بين الله تعالى لعباده القصد من أداء نسك الحج بالصورة المرسومة لنا في رضي الله عنه ورة الحج، عندما أمر نبيه إبراهيم عليه السلام بعد بناء البيت بالأذان فيه بالحج، فقال رضي الله عنه بحانه: âوَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿27 لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿28 ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿29 ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ á [الحج: 27 – 30]، فقد أمر الله رضي الله عنه بحانه في آخر هذه الآيات الحجاج باجتناب رجس الأوثان.

المعلم الرابع: النداء الإلهي للناس بأداء فريضة الحج والاستجابة لهذا النداء:

يحتوي النداء الإلهي بأداء فريضة الحج في الآيات المذكورة قي المعلم السابق على كل معاني التوحيد، والطرق المؤدية إليه من خلال بناء البيت على أساس العبادة لله وحده وعدم الإشراك به وتطهيره للطائفين والقائمين، واجتناب الرجس من الأوثان الذي هو الشرك بالله والكفر به.

المعلم الخامس: التوحيد في ذكريات الحج:

إن زيارة مكة المكرمة وبيت الله الحرام والمشاعر المقدسة في الحج تعيد ذكر أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام أكثر من مرة، لأنه كان المكلف ببناء البيت وبالأذان فيه بالحج وتطهيره للطائفين والقائمين والركع السجود، وقد ورد ذكره عليه السلام في كتاب الله في مواضع كثيرة وفي مناسبات عدة لعلاقته الوثيقة بهذا الركن العظيم من أركان العظيم، ومن ذلك كسره للأصنام ونصحه لأبيه وأمته بأن يعبدوا الله وحده ويتركوا عبادة من دونه، ويتذكر الحاج أيضًا أثناء القيام بأداء نسك الحج حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه ماثل أمام أعينهم وهو يسقط الأصنام المقامة في بيت الله الحرام واحدًا تلو الآخر، ويمحو التصاوير على جدران البيت التي هي علامة للشرك، ويكبر الله وحده في أرجاء البيت ويمجده، فلا شك أن هذه الذكريات تدور في خلد الحاج وتذكره أن هذين الرسولين من أولي العزم هما الأسوة في أن يوحّد الله عز وجل ويعبده ولا يشرك به شيئًا.

المعلم السادس: التوحيد في دعاء نبينا إبراهيم عليه السلام:

الدعاء هو العبادة كما قال عليه الصلاة والسلام، وإن من أهم الأوقات والأماكن التي يستحب فيها الدعاء أيام الحج، لا رضي الله عنه يما يوم عرفة، ومن الأماكن الحرم وفي عرفات، وعند الصفا والمروة وأثناء الطواف، وسائر المشاعر وأوقات الحج.

وأثناء الحج يتذكر الحاج عندما نادى خليل الله حينما ترك زوجته في وادٍ غير ذي زرع وقال: âرَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴿37 رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ á [إبراهيم: 37 – 38].

وبعد أن فرج الله رضي الله عنه بحانه عن زوجته هاجر وابنه إسماعيل –عليه السلام- أمر الله رضي الله عنه بحانه أن يرفع قواعد البيت فتضرع إلى ربه بعد أن أرسى محور التوحيد في الأرض بقوله: âاجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿126 وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿127 رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿128 رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ á [البقرة: 126- 129].

هذا الدعاء يشمل أمورًا عظيمة في التوحيد، ومنها:

1- دعاؤه عليه السلام بالأمان لمكة، وذلك أنه لا تكون هناك عبادة ولا طاعة ولا توحيد لله وحده في حالة الخوف، وقد تحقق هذا وذكره الله رضي الله عنه بحانه في كتابه بقوله: âلِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ﴿1 إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴿2 فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ﴿3 الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ á [قريش: 1-4].

2- دعاؤه عليه السلام بالرزق الواسع لمن آمن منهم بالله واليوم الآخر.

3- دعاؤه عليه السلام بأن يجعله وابنه إسماعيل مسلمين له، وقد ورد هذا الدعاء في كتاب الله كثيرًا لارتباطه بالتوحيد.

4- دعاؤه عليه السلام بأن يبعث الله فيهم رسولا يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويخرجهم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد.

5- والتوحيد يظهر جليًا في دعائه عليه السلام حينما دعا ربه بقوله: âوَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿35 رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ á [إبراهيم: 35 -36].

المعلم السابع: التوحيد وحرمة الزمان والمكان:

لقد فطر الله تعالى السماوات والأرض وما بينهما ضمن نظام محكم وميزان دقيق، وفيها عنصران مهمان: عنصر الزمان والمكان، وجعل كثيرًا من الطاعات المفروضة مرتبطة بعنصر الزمان، كما أن الله رضي الله عنه بحانه خص بعض الأماكن بخصائص وفضلها على رضي الله عنه ائر الأمكنة.

والحج عبادة ترتبط بالزمان والمكان، فهو مرتبط بأحب الأزمان إلى الله وفي أحب البقاع إليه، فالحج يكون في أحد الأشهر الحرم وفي البلدة التي حرّمها، قال تعالى: âالْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ á وقال رضي الله عنه بحانه: âإِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا á، فربط عبادة الحج بأزمان وأماكن محرمة عند الله يوحي بتوحيد خالق هذه الأزمان والأماكن، ولذا قد حرم الله تعالى في هذه الأزمان المباركة والأماكن المشرفة أفعالًا رضي الله عنه واء كانت محرمة من قبل أو كانت مباحة مثل حرمة القتال في الأشهر الحرم وفي البلد الأمين، وحرّم الصيد داخل الحرم المكي، وحرّم الرفث والفسوق والجدال في حال الإحرام.

المعلم الثامن: ظهور توحيد الله في أفعال الحج:

أفعال الحج كلها دالة على التوحيد وموصلة للإيمان: منها:

- لبس الإحرام ورفع التلبية التي هي شعار التوحيد.

- أثناء الطواف وهو يدعو الله عز وجل ويناجيه ولا يجوز الطواف بغيره.

- وعند تقبيل الحجر يذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه  المشهور: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولو أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).

- عند الصفا والمروة وهو يرفع كلمة التوحيد.

- في الوقوف بعرفة وهو يبتهل إلى الله عز وجل ويكرر كلمة التوحيد.

- عند رمي الجمرات وهو يذكر الله عز وجل ويكبره ويدعوه.

- عند النحر وهو يقول: âقُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ûüÏHs>»yèø9$#á.

المعلم التاسع: توحيد الله بالأقوال في الحج:

لا شك أن جميع الأذكار والأدعية والتلبية في الحج تدل دلالة واضحة صريحة أو ضمنية على توحيد الله في ذاته وربوبيته وعباداته وأسمائه وصفاته وتفصيله كما يلي:

1- التلبية بصيغتها تحمل بين جوانبها إقرارًا تامًا بالعبودية لله تعالى وتوحيده، وتنزيهه عن كل ما لا يليق بجلاله، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويلكم! قد قد» فيقولون: إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت، والمسلم وهو يلبي يشعر بمخالفة المشركين في تأليههم لمعبوداتهم.

2- قول «الله أكبر» عند الطواف والسعي والرمي، إشارة إلى أنه، ولا أحد أكبر من الله تعالى، فهو الكبير المتعال ومن ثم فلا إله يعبد رضي الله عنه واه رضي الله عنه بحانه.

3- دعاء يوم عرفة يحمل كل معاني توحيد الله رضي الله عنه بحانه، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» فهذا الدعاء هو ما بعث الأنبياء والمرسلون لتبليغه من نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ففيه إعلان صريح للعبودية الحقة لله تعالى دون رضي الله عنه واه.

4- ذكر الله تعالى وتوحيده أثناء الانتقال بين المشاعر وفي أيام التشريق: وكلمة الذكر هنا عامة تشمل كل أنواع الذكر من التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار وقراءة القرآن والدعاء وغيرهما، وكل هذه الأذكار تحمل معاني التوحيد لله جل وعلا.

المعلم العاشر: وحدة مصدر التلقي في أداء مناسك الحج:

قد أمر الله عباده فرائضه في كتابه العزيز، وجاء هذا الأمر عامًا من غير تفصيل في الكيفية والأداء من الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكان من مهام الرسول صلى الله عليه وسلم بيان هذه الفرائض للمؤمنين، وكيفية أدائها، يقول الله تعالى: âوَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَá [النحل:44]، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المرجع الوحيد الذي ترجع إليه الأمة لأداء مناسك الحج والعمرة وجميع أمور التشريع، لأنه المصدر الوحيد الذي يأتيه الوحي من رب العالمين، وليس إله آخر يأتيه الأمر من عنده فتتباين الأوامر، وهذه دلالة على توحيد الخالق عز وجل، ودليل على صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم.

المعلم الحادي عشر: خطبة النبي صلى الله عليه وسلم  في حجة الوداع والتوحيد:

هذه كانت آخر خطبة توجه بها رسول البشرية إلى الأمة المسلمة، يوجز فيها أهم مبادئ هذا الدين الذي يمكن إيجازها في النقاط التالية:

1- تأكيد حرمة المسلم في نفسه وماله وعرضه، فيجب الحفاظ عليها وعدم الاستهانة بها.

2- كل شيء من أمر الجاهلية موضوع في الاعتقاد وفي الأخلاق، أما الجاهلية في الاعتقاد فهي اتخاذ الآلهة والأرباب من دون الله، فقضى الإسلام على هذه الجاهلية بتوحيد الله وإفراده بالعبادة والطاعات، وأما الجاهلية في الأخلاق والمعاملات فكانت في الفساد الأخلاق المالي المتمثل في الربا، فوضعها تحت قدميه.

3- التوصية بالنساء خيرًا ببيان ما لهن وما عليهن من حقوق وواجبات.

4- الحرص على التمسك بالكتاب والسنة: وذلك خشية تتبع الأمة السبل فتضل عن صوابها، وخشية أن ترجع إلى اتخاذ الآلهة من دون الله، فكانت هذه الوصية العظيمة.

5- توديع النبي صلى الله عليه وسلم كانت الكلمات الأخيرة من هذه الخطبة إشارة إلى قرب وفاته عليه الصلاة والسلام، وأن مهمته عليه الصلاة والسلام قد انتهت بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده.

والمتتبع لبنود هذه الخطبة يجد بوضوح دلالاتها على التوحيد الخالص من طرحها لكل شيء من أمور الجاهلية وضرورة الاعتصام بالكتاب والسنة.

المعلم الثاني عشر: تحقيق الولاء والبراءة من الشرك وأهله في الحج:

إن الدين الذي اختاره الله تعالى لعباده هو الإسلام، وجاء هذا الدين بفرائض لابد من أدائها لربط العباد بربهم، ومن بين هذه الفرائض فريضة الحج التي قامت في الأصل على أساس توحيد الله تعالى، فكل أعمال هذه الفريضة من الوقوف بعرفة والتحول إلى مزدلفة ثم منى ورمي الجمرات والنحر والحلق والطواف والسعي، كلها تهدف إلى تحقيق هدف واحد هو توحيد الله بإفراده بالألوهية والربوبية، وكذلك ما يقال عند القيام بهذه الأفعال وما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام عليهم، كلها ذكر وتهليل وتكبير للخالق جل شأنه.

وبعد أن كان المشركون يأتون بأعمال شركية في بلد الله الحرام وحتى بعد أن أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق، ودعاهم إلى عبادة الله وحده ثلاثة عشر عامًا في عهده المكي، إلى أن أظهر الله هذا الدين ومكّنه وتم إعلان عام بالتبرؤ من الشرك وأهله وإعلان الولاية لله وحده.

قال تعالى: âبَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿1 فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴿2وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍá [التوبة: 1- 3].

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: بعثني أبو بكر رضي الله في تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان...ثم أردف - أي أتبع - النبي صلى الله عليه وسلم بـ علي ابن أبي طالب ، فأمره أن يؤذن ببراءة، قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)، من خلال هذا يتبين أن الحج يحقق تعميق الولاء لله رضي الله عنه بحانه وتعالى والبراءة من الشرك وأهله.

                                                            

كل هذه المعالم تظهر تحقيق توحيد الله تعالى فيه، فاستشعار الحاج لها يعمق هذا التوحيد ويحقق الرجاء يحصوا لها.



بحث عن بحث