الوقفة الثامنة عشرة

أعمال يوم النحر والعيد والأضحية

عرفنا أن الحاج ينبغي له أن يصلي الفجر بمزدلفة ويجلس بعد الصلاة يذكر الله تعالى ويدعو اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو لم يزل واقفًا عند المشعر الحرام حتى أسفر جدًا، فإذا أسفر رضي الله عنه ار قبل طلوع الشمس بسكينة ووقار فإذا بلغ وادي محسر وهو واد بين مزدلفة ومنى رضي الله عنه مّي بذلك لأنه يحسر رضي الله عنه الكه وقيل لأن أصحاب الفيل حسروا فيه وقيل غير ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أتى محسرًا حرك قليلًا كما ذكر ذلك جابر رضي الله عنه .

وللحاج أن يأخذ الحصى لرمي جمرة العقبة من أي مكان من الحرم رضي الله عنه واء أخذه من مزدلفة أو منى فالرسول صلى الله عليه وسلم أخذه من منى وهو في طريقه إلى جمرة العقبة، وأخذ غيره من مزدلفة والحمد لله على التيسير.

وفي هذا اليوم العظيم ـــ يوم النحر ويوم العيد ـــ اليوم العاشر من شهر ذي الحجة للحاج فيه أعمال أربعة هي ما يلي:

1- رمي جمرة العقبة وهي تحية منى فيتجه إليها بعد طلوع الشمس فيرميها بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد واحدة كل حصاة قدر بعر الغنم فلا تكون صغيرة جدًا ولا كبيرة ولا يرميها دفعة واحدة ولو فعل لم يجزئه إلا عن واحدة يرفع يده اليمنى حال الرمي حتى يرى بياض إبطيه لأنه أعون على الرمي ويكبر مع كل حصاة ولا يسمي، ويقول: اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا ولا يقف بعد الرمي والسنة أن يرميها مستقبل القبلة فتكون الجمرة عن يمينه وقيل أنه يرميها من بطن الوادي مستقبلًا لها جاعلًا البيت عن يساره ومنى عن يمينه وهذه الصفة الأخيرة هي التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويقطع الحاج التلبية عند وصوله إلى الجمرة لقول الفضل ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة.

2- نحر الهدي إن كان واجبًا عليه كالمتمتع أو القارن أو تطوعًا لمن كان مفردًا والهدي هو: شاة تجزئ في الأضحية أو رضي الله عنه بع بدنة أو بقرة والسنة أن يقسمه أثلاثًا ثلث يأكله وثلث يتصدق به وثلث يهديه لأقاربه وأصدقائه وإن لم يفعل ذلك بأن تصدق به كله أو أكله أو أهداه فيجزى لكن خلاف السنة.

3- حلق شعر الرأس للرجل أو تقصيره والحلق أفضل فالرسول صلى الله عليه وسلم لما نحر بُدنة دعا بالحلاق فحلق رأسه ودعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة واحدة، ويسن له أن يستقبل القبلة أثناء الحلق ويبدأ بشقه الأيمن فإن لم يحلق فيقصر من جميع شعر رأسه لا من كل شعرة بعينها وما يفعله كثير من الناس بأن يأخذوا من شعورهم شيئًا يسيرًا فهذا خطأ ولا يجزيه هذا الفعل، والمرأة تقصر من شعرها قدر أنملة فأقل لما روي ابن عباس مرفوعًا: «ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير»، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم.

فإذا فعل الحاج الرمي والحلق دون النحر فقد حل له كل شيء إلا النساء من وطء ومباشرة وقبلة ولمس بشهوة وعقد نكاح لما روت عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء»، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم.

4- والعمل الرابع طواف الإفاضة وسعي الحج بالنسبة للمتمتع، أو القارن والمفرد إذا لم يسعيا مع طواف القدوم، وهذا الطواف ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به ثم بعد ذلك يحل للحاج كل شيء حرم عليه فيه حتى النساء.

وليعلم الحاج أنه يجوز له أن يقدم بعض هذه الأعمال على بعض فأيها قدّم أو أخر فلا حرج إن شاء الله لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رضي الله عنه ئل عن شيء قدم أو أخّر في ذلك اليوم إلا قال: «افعل ولا حرج»، ومن ذلك أيضًا تقديم السعي على الطواف، لكن لا شك أن الأفضل ترتيب هذه الأمور الأربعة يوم النحر، رمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف والسعي، وهو الموافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم عند تقديمه عملًا على آخر يكون التحلل الأول إذا فعل الحاج اثنين من ثلاثة هي الرمي والحلق أو التقصير والطواف والسعي فقد حل التحلل الأول فإن فعل الثلاثة كلها حل له كل شيء حتى النساء.

ومما يذكر هنا أنه يجوز تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر ويجزي إن شاء الله تعالى ولا حرج.

أما غير الحاج فعليه أن يعرف لهذا اليوم قدره فهو يوم عيد الأضحى المبارك والذي تسن فيه صلاة العيد، فيتهيء المسلم لها بالوقار والهيبة والسكينة والتنظف والتطيب والاغتسال ولبس أحسن الثياب والخروج للمصلى بالعائلة كلها، وإذا خرجت النساء للصلاة تخرج متحجبة مستترة متحشمة غير متطيبة أو لابسة زينة أو متبرجة فتخرج بكامل الحشمة والوقار.

وبعد صلاة العيد يتجه الناس إلى أماكنهم لذبح الأضحية وهي رضي الله عنه نة مؤكدة وروي عن بعض الأئمة وجوبها، وللأضحية فضل عظيم وثواب جزيل ينبغي فعلها والمداومة عليها وعدم التساهل فيها فقد روى الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملًا أحب إلى الله من هراقة دم، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسًا»، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين كما ثبت ذلك في الصحيح وليختر المسلم عند شرائه لأضحيته أفضل الموجود وأوفرها لحمًا وأنفعها، والسنة توزيعها أثلاثًا ثلث له ولأهل بيته وثلث للهدية وثلث للتصدق على الفقراء والمساكين.

وأعلم أخي المسلم أن المشتهر عند كثير من الناس أن الأضحية للميت دون الحي والصواب أن يبدأ الإنسان بنفسه وإن ضحى عن الأموات ففي ذلك خير كثير إن شاء الله والأضحية الواحدة شاة أو رضي الله عنه بع بدنة أو بقرة تجزئ عن الشخص وأهل بيته وفضل الله واسع والحمد لله.

ويمتد وقت الأضاحي إلى نهاية أيام التشريق يوم العيد وثلاثة أيام بعده فكل أيام التشريق ذبح، وليحذر المضحي من عيوب الأضحية، وهو العور البيّن، والعرج البيّن، والمرض البيّن لحديث: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والعرجاء البين ضلعها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى»، فليجتهد الموفق في أداء هذه العبادة على وجهها الشرعي وليحرص عليها مقتديا بمحمد صلى الله عليه وسلم فيأكل منها ويواسي الفقراء والمحتاجين ليفرحوا مع المسلمين وتعلو البسمة على وجوه أطفالهم ويكفوا عن السؤال ففي ذلك أجر عظيم وثواب جزيل عند الله رضي الله عنه بحانه وتعالى.



بحث عن بحث