الخطبة الثانية

  الحمد لله الحكيم العليم، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرؤوف الرحيم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدالله ورسوله. صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد : أيها الآباء، إن مهمة التعليم ليست قاصرة على المعلم فقط، فالمعلم هو الوسيلة لإيصال هذا العلم، ويحتاج إلى من يساعده في ذلك، ويشد عضده ليقوم بمهمته الجليلة، وإنك أيها الأب، وولي أمر التلميذ أكبر مساعد للمعلم في نجاح مهمته؛ لأن التلميذ ابنك، وائتمنت الأستاذ عليه، فعليك بمساعدته؛ وذلك بالاتصال بالمدرسة بين وقت وآخر؛ لتتطلع على أحوال أبنائك، ولتتعرف على معلميهم، فأنت قد سلمته فلذات كبدك، وواجب عليك أن تعرف من سلمته هذه الأمانة، هل هم أهل لها وأهل لرعايتها، أم أن الأمر خلاف ذلك؟

أيها الأب: إن كان على المؤسسة التعليمية واجب الإشراف والتوجيه والمتابعة، وإن كان على المعلمين واجب التعليم والتربية والتثقيف، فعلى أولياء الأمور التعاون مع السابقين، وعليهم تفقد أولادهم، ومتابعتهم في المدرسة والشارع والبيت؛ لكي تثمر العملية التعليمية المرجوة منها.

   وليعلم الجميع أن الله سائل كل راع عما استرعاه مديراً وأستاذاً وولي أمر، حفظ أم ضيع؟ (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). 

أيها الطلاب: إن ما سمعتموه من عظم المسؤولية على المعلم وولي الأمر، يستوجب معونتهم في ذلك بالاتجاه إلى الجد والاجتهاد والتحصيل النافع، فتعلمـوا العلـم. روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مـن سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم ، وإن العالم يستغفر له من السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر"  وعلى الطالب أن يحافظ على وقته، فلا يضيع شيئاً من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم والعمل إلا بقدر الضرورة، فإن بقية عمر المؤمن له قيمة عالية غالية، ومن استوى يوماه فهو مغبون، وعليك بالصبر والتحمل والمصابرة، فقد قال الشاعر:

     لا تحسب المجد تمراً أنت آكله     

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

   وقال الشافعي ينصح طلابه: " حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من العلـم، والصبـر علـى كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله تعالى في إدراك علمه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى الله تعالى في العون".

   وإن مما يعين على ذلك الصحبة الطيبة التي شبهها الرسول، صلى الله عليه وسلم، بحامل المسك، فعلى الطالب أن يختار من زملائه أهل الجد والاجتهاد والحرص، وأهل السلوك المستقيم، فهم خير من يعين على ذلك،  قال الشافعي:

عن المرء لا تسأل تَسَلْ عن قرينــه       

                                       فكل قرين بالمقارن يقتــدي

   وعلى الطالب أن يحترم أستــاذه ويقدره، فقد كانت هذه سيرة السلف الصالح، فقد كان الصحابي الجليـل عبدالله بـن عباس رضي الله عنه مـع جلالته وقدره يأخذ بركاب ناقة زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه ويقول: "هكذا أُمرنا أن نفعل مع علمائنا" ، وقال أحمد بن حنبل لخلف الأحمر رحمهما الله، وهو أحد علماء اللغة: لا أقعد إلا بين يديك، أُمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه.

   ويقال: " إنما ينتفع المتعلم بكلام المعلم إذا كان في المتعلم ثلاث خصال: التواضع، والحرص على التعلم، والتعظيم للعالم؛ فبتواضعه ينجح في العلم، وبحرصه يستخرج العلم ، وبتعظيمه يستعطف العالم". فاحرصوا على ذلك، وفقكم الله وسدد خطاكم وجعلكم ذخراً لأنفسكم ولأسركم وللعباد والبلاد.

   هذا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد كما أمركم الله جل وعلا بقوله: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي........) الآية.



بحث عن بحث