الخطبة الثانية

  الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، أحمده سبحانه، وأشكره على نعمه، وآلائه، ولو جحدها الجاحدون، وأشهد أن لا إلا إله الله وحده لا شريك له شهادة حق، وصدق، ولو كفر بها الكافرون، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمداً عبده ورسوله الرسول المجتبى، والنبي المصطفى، ولو كذّب به المكذبون، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ولو سبهم المنحرفون، والتابعين، ومن تبعهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المسلمون!

    أما الركن الرابع من أركان الإيمان: الإيمان بأن الله تعالى أنعم على الناس بإرسال رسله إلى خلقه مبشرين، ومنذرين؛ ليدلوهم إلى الحق، ويرشدوهم إلى الهدى، وينيروا لهم الطريق، ويوجهوهم إلى دروب الخير، والرسول: هو كل من أوحى إليه من البشر بشرع، وأمر بتبليغه، والإيمان بهم ركن من أركان الإيمان، لا يتم الإيمان إلا به، أرسلهم الله تعالى، ليأمروا الناس بعبادة الله وحده، ونبذ كل ما يعبد من دونه، قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أُمَّةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (النحل : 36).

  والرسل: بشر مخلوقون، أكرمهم الله تعالى بإرسالهم إلى عباده، فليس لهم من صفات الربوبية، والألوهية شيء، قال تعالى عن نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم: (قُل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرَّاً إلاَّ ما شاء اللَّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّني السُّوء إن أنا إلاَّ نذير وبشيرٌ لقوم يؤمنون) (الأعراف: 188) ويعتريهم ما يعتري البشر من الحاجة إلى الطعام، والشراب، والمرض، والموت، وغيرها، قال تعالى عن إبراهيم، عليه السلام، في وصفه لربه : ( والَّذي هو يُطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والَّذي يُميتني ثم يُحيين) (الشعراء: 79-81).

    وأولهم نوح، عليه السلام، وآخرهم، وخاتمهم وأفضلهم نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي نسخ الله تعالى بشريعته سائر الشرائع، وبدينه سائر الأديان.

   والإيمان بالرسل يعني: الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله تعالى، فمن كفر برسالة واحدة، فقد كفر بالجميع، ويجب الإيمان بهم جميعاً إجمالاً ، وبمن علمناه تفصيلاً، كأولي العزم، قال تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) (غافر: 78).

   ومن لوازم الإيمان بهم تصديق ما جاء من أخبارهم، وكذا العمل بشريعة من أرسل إلينا، وهو محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي هو خاتم الرسل، والمرسل إلى جميع الثقلين، الإنس والجن، والعمل بها يقتضي تنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه، وألا يعبد الله إلا بما شرع، عليه الصلاة والسلام.

أيها المسلمون!

   للإيمان بالرسل ثمرات جليلة من أعلاها: العلم برحمة الله لعباده، حيث امتن عليهم بإرسال هؤلاء الرسل، فيعبدون الله حق عبادته. ومنها: شكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، ومنها: تقدير رسل الله، عليهم الصلاة والسلام، وما قاموا به من مهمة البلاغ، وكذا: الاقتداء بهم، واتباعهم، والنهل من ميراثهم النبوي الكريم، ومنها: تحقيق عبودية الله، تعالى، في الأرض، وكذا النجاة من النار، ودخول الجنة.

أيها المسلمون !

   إن الذي يضع الرسل فوق منزلتهم، كمن يجعلهم بمنزلة الله، تعالى، فيجعل لهم حق العبودية، أو كمن يدعوهم بعد موتهم، أو يغالي فيهم، أو يطوف حول أضرحتهم، أو يتوسل إليهم بعد موتهم، فهؤلاء، وأمثالهم خرجوا عن الإيمان بالرسل، وغلوا غلواً يخرجهم من الإيمان بالله.

   أما من يعصي أوامرهم، أو يشكك في أخبارهم، أو لا ينزل على حكمهم، أو يفضل أحكام سائر البشر على أحكامهم، فهؤلاء على خطر عظيم بحسب ذنبهم الذي اقترفوه، وقد يخرجون به إلى الكفر، أو النفاق، أو إلى كبيرة من كبائر الذنوب.

أيها المسلمون:

   لنصحح إيماننا برسل الله، ولنعظم حقهم، ونقدرهم حق قدرهم، فلا نغالي فيهم إلى حد الألوهية، ولا نجافي جفاء يجعلنا على خطر من عدم اتباعهم.

   وصلوا، وسلموا، وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المبعوث رحمة للعالمين، ومخرجهم من الظلمات إلى النور، كما أمركم الله تعالى في محكم كتابه العزيز حيث قال: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي.......).



بحث عن بحث