الخطبة الثانية

  الحمد لله رفع قدر أولي العلم، والإيمان، فلم يغتروا بهذه الدار، جدوا، وأخلصوا، وأيقنوا أن الآخرة هي دار القرار، أحمده، سبحانه، وأشكره على خيره المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله النبي المختار، صلى الله وسلم، وبارك عليه، وعلى آله وصحبه المهاجرين، والأنصار، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

   أما بعد : اتقوا الله عباد الله، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله.

أيها المسلمون:

   لقد وقف كفار الماضي، والحاضر، وزنادقة الأمس، واليوم من البعث، وما بعده موقف المنكر المستهزىء. (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) [الجاثية: 24].

   ما من شيء في دعوة رسل الله إلا استبعده الكفار، وأنكرته الملاحدة، واستهزأت به الزنادقة أشد من إنكارهم لليوم الآخر، فتراهم أجيالاً من بعد أجيال من أمم الكفر، والإلحاد ينكرونه، ويستبعدونه، ولقد سجل القرآن الكريم افتراءهم العظيم، وإفكهم المبين: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) [النحل: 38] (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون، هيهات هيهات لما توعدون ، إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين) [المؤمنون: 35-38] ويأتي آخر ليرفع عقيرته متسائلاً : (من يحيي العظام وهي رميم) [يس: 78] ويتولى القرآن الرد والبرهان: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون، أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادرٍ على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاَّق العليم،إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) [يس: 79-82].

أيها المسلمون ! إن الذين لا يؤمنون بالآخرة، والذين يكذبون بيوم الدين يعيشون في بؤس وشقاء، لا أمل لهم، ولا رجاء، لا يرجون عدلاً في الجزاء، ولا عوضاً عما يلاقون في الدنيا من عناء.

   الذي لا يؤمن بيوم الحساب، لا يعدو نظره حياة الدنيا القصيرة القاصرة في حدود أرضه الضيقة، ومسافة عمره القصيرة، فهو من ضيق إلى ضيق، ومن بؤس إلى مسكنة، لقد ضلوا، وأضلوا، وما ضلوا إلا بما نسوا يوم الحساب، وما اجترؤوا على محرمات الله، وأفسدوا في أرض الله، وما ظلموا، وتظالموا إلا لأنهم لا يرجون حساباً.

   لم يتركوا الصلاة، ويلهوا في متع الحياة، ولم يخرجوا الزكاة، ويقترفوا معاصي الله، إلا أنهم لم يصدقوا بيوم الدين.

   أما المصدقون بهذا اليوم، والذين هم من عذاب ربهم مشفقون استعانوا على الحق، والتوحيد، ونبذوا الشرك، وأصلحوا أعمالهم، وأخلصوا لربهم (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) [الكهف: 110].

  يحملهم إيمانهم باليوم الآخر على الصبر، والتحمل، والبذل، والإحسان، لا يبتغون من أحد غير الله جزاءً، ولا شكوراً.

   ما ثبتت أقدام المجاهدين في سبيل الله، وما استمر الدعاة إلى الله، والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، وما حافظ المحافظون على طاعة الله، وانزجروا عن المعاصي، في حق الله، وحق عباد الله إلا بمقدار إيمانهم بالله، وتصديقهم بعظم جزاء الله.

أيها المسلمون:

   ورب السماء، والأرض لتخرجون من قبوركم، ولتحشرون إلى ربكم، ولتحاسبون على أعمالكم، ولتجزون بما كنتم تعملون، لتجزون عن القليل، والكثير، والنقير، والقطمير، وذلك على الله يسير، فأعدوا العدة لهذا اليوم، فهو آت لا محالة، وعن قريب كائن لا مفر منه، وصلوا وسلموا على البشير النذير. الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، قال تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي...........).



بحث عن بحث