الخطبة الثانية

  الحمد لله رضي من عباده اليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وخصّ من شاء بهدايته، وتوفيقه، فمنه النعمة، وله الفضل، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الجلَّى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مؤمن بمقتضاها قولاً وعملاً، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمداً عبده ورسوله رحمة للعالمين، وقدوة السامعين، وحجة السالكين، لا نبتغي إلى السعادة بغير طريقه أملاً، صلى الله وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين، ومن تبعهم، وسار على طريقهم قولاً وفعلاً.

أما بعد : عباد الله : فاتقوا الله، رحمكم الله، وبادروا، وشمّروا، واعملوا، وأحسنوا، وأبشروا.

أيها المسلمون!

   أصحاب الجنة: لهم صفات يعرفون بها، وسمات يتصفون بها، تردد ذكرهم في القرآن، والسنة، قال الله عنهم : (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) [الذاريات: 17 – 19]، وجاء في السنة: يصلون بالليل، والناس نيام، ويصومون، وغيرهم يأكل، وينفقون، وغيرهم يبخل، ويقاتلون، وغيرهم يتقاعس، ويجبن، أولئك هم عباد الله حفظوا وصية الله، وراعوا عهده، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون، وهم من خشيته مشفقون، استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة، وأنفقوا سراً، وعلانية، يؤتون ما آتوا، وقلوبهم وجلة، يجتنبون كبائر الإثم، والفواحش، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، وعلى ربهم يتوكلون، عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، كثر استغفارهم، فحطت خطاياهم، وكلَّ ما طلبوا من ربهم أعطاهم ، فسبحان من اختارهم، واصطفاهم، أقوام يقطرون نزاهة، أفئدتهم مثل أفئدة الطير، فيهم الذي لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، متحابون في جلال الله، فيهم صاحب القرآن يقرأ، ويرتل، ويرتقي، وفيهم من ترك المراء، ولو كان محقَّاً ، وتارك الكذب، ولو كان مازحاً، وبيت في الجنة لمن حسن خلقه يكظم غيظه، ويعفو عن الناس، والله يحب المحسنين، فيهم من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلّى بالليل، والناس نيام، خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، جنة ربي لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب، وجاء بقلب منيب، يخافون من ربهم يوماً عبوساً قمطريراً، فوقاهم الله شر ذلك اليوم، ولقّاهم نضرة، وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنة، وحريراً.

أيها المسلمون!

   هؤلاء أهل الجنة، وتلك سماتهم، وعلاماتهم، ألا هل من مشمر إلى الجنة؟ قولوا كما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن المشمّرون إن شاء الله. (*)

  أما أصحاب النار- والعياذ بالله- فموعود فيها كل مشرك، ومشركة، فويل لهم، وويل لكل خبيث وخبيثة، ممن طغى، وبغى، وآثر الحياة الدنيا، ولم يؤمن

بيوم الحساب (حلاَّف مهين، همّاز مشّاء بنميم، منّاع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم) [القلم: 10-13].

النار موعود بها كل مدمن للخمر، وقاطع للرحم، والمصدق بالسِّحر، والمنّان، والنمام، موعود بها الذين يكنزون الذهب، والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله.

   ومن أشد الناس عذاباً طائفتان: المصورون الذين يضاهئون خلق الله، والذين يعذبون الناس في الدنيا.

  موعود بها من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة، والذي يشرب في آنية الذهب، والفضة، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم، والذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً، وسيصلون سعيراً.

أيها المسلمون: ويل، ثم ويل لأكلة الربا، ويل لهم، وكل لحم نبت من سحت، فالنار أولى به، وصنفان من أهل النار: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، والكاسيات العاريات المائلات المميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، والمكر، والخِداع في النار، والفجور يهدي إلى النار، وشر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه، وويل للذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.

     فاتقوا النار، عباد الله! وتعوذوا من النار، واعملوا للنجاة من النار، فهذه صفات أهل النار.

أيها المسلمون: هذا المقر في الآخرة: الجنة أو النار، فكل ينظر في عمله، ويغتنم ساعات عمره، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب، ويزن أعماله قبل أن توزن، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار.

   وصلوا وسلموا على البشير النذير كما أمركم الله في محكم كتابه العزيز حيث قال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث